وقال سبحانه: ﴿ كَيْفَ فَعَلَ ﴾، وأضاف سبحانه لاسمه الربِّ ضميرَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولبيان اختصاص هذا الحادث به، وللإشارة إلى أن هذا الفعل لا يقدر عليه أحدٌ سواه سبحانه، مع أنهم جاؤوا لهدم الكعبة جهارًا نهارًا؛ لأن ما حدث في الكنيسة ما كان إلا ذريعةً لغزو مكة بنوايا خبيثة مدسوسة، ولا يزال مثل هذا الكيد يُكادُ بالإسلام وأرْضِه وأهله إلى يومنا هذا. فالله أبطل كيدهم بتضليلهم فلم ينتفعوا بحيلتهم، ولا بقوَّتهم ولا بعَدَدهم، مع ضَعف وقلَّة أصحاب مكة. ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴾ [الفيل: 3]: قال البخاري في صحيحه: قال مجاهد: ﴿ أَبابِيلَ ﴾: "متتابعة مجتمعة". ﴿ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ [الفيل: 4]: قال البخاري في صحيحه: قال ابن عباس: ﴿ مِنْ سِجِّيلٍ ﴾: "هي سَنْكِ وَكِلْ"، فتعصف به الرياح لخفَّته، زيادة على هذا فقد وصفه سبحانه بأنه مأكولٌ، فهو مع يُبوسته مُتقطِّع غير مكتمل الأوصاف. فلما حاذَتْهم رَمَتْهُم، ابن حجر في فتح الباري (207/12). وهكذا ذكَّرَ اللهُ نبيَّه بنعمته عليه؛ إذ صرف ذلك العدوَّ العظيم عامَ مولِدِه، فهو صلى الله عليه وسلم أعظم حُرْمةً وشرفًا من الكعبة مع عظمتها، فقد نظر صلى الله عليه وسلم إليها، وقال: ((مرحبًا بِكِ من بيتٍ، ولَلْمُؤمِنُ أعْظَمُ حُرْمةً عند اللهِ منكِ، وحرَّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثًا: دمَه، قال الماوردي في (أعلام النبوة): ولما دنا مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جمهور جيش إلى مكة، ثم قال: فكانت آيتُه في ذلك من وجهين: أحدهما: أنهم لو ظفروا لسَبَوا واسترقُّوا، لصيانة رسوله أن يجري عليه السبيُ حَمْلًا ووليدًا. ولكن لما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيسًا للنبوة، وأن يجعلها قِبْلةً للصَّلاة ومَنْسَكًا للحج. فإن قيل: فكيف منع الكعبة قبل مصيرها قِبْلةً ومَنْسَكًا، ولم يمنع الحجَّاجَ من هَدْمِها، قيل: فعلُ الحَجَّاجِ كان بعد استقرار الدِّين، وأصحابُ الفيل كانوا قبل ظهور النبوَّة، منع الله الحبشة من هدم الكعبة لتأسيس هذا الدين، وستُخرِّبُه نفس القوم في آخر الزمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، واستحلُّوا البيتَ مِرارًا وبالَغُوا في ذلك، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُبايَعُ لرجُلٍ بين الرُّكْنِ والمقام، فإذا استحَلُّوه فلا تَسَلْ عن هَلَكَةِ العرب، فيُخرِّبُونه خرابًا لا يَعْمُرُ بعدَهُ أبدًا، صحيح اب أستغفرك وأتوب إليك،