ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ثم الحمد لله الذي جعلّ في البلاء تطهيراً للذّنوب ورفعاً للدرجات، وأشهد أنّ سيدنا وقائدنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله رسول الله المجتبى، الوصية بالتقوى أما بعد عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصّرة بتقوى الله -عزّ وجلّ- وأحذركم ونفسي المقصرة من عصيانه ومخالفة أمره، ١] واعلموا أنّه بالصبر والتقوى لا يضرّ المسلم عداوةَ حاقدٍ ولا كيد فاسد، ٢] الخطبة الأولى أيها الأخوة الفضلاء، فالشيطان يسعى بكلّ جهده ليصدّ العبد عن ذكر ربّه، هل نقدّم أمرَ ربّنا أم ما تهواه أنفسنا ممّا حرمّ الله -سبحانه- ونهى عنه، ٣] ولمّا كان الصبر في أدقّ معانيه هو حبْسُ النفس عمّا تكره، ٤] كان لا بدّ أن يُعلمَ أنّ الدنيا هي دار بلاء ونعيم، فالدنيا تكون تارة جميلة محببة للنّفس، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّنيا سجنُ المؤمنِ وجنَّةُ الْكافرِ)، ٥] فهو محمول على أنّ الدنيا سجن المؤمن مقارنة بنعيم الجنة، وأما قوله "جنة الكافر" فهو بالنسبة لما سيلقاه من عذاب الآخرة -أجارنا الله منها- إذ لم يرعَ حقّ الله في الدنيا؛ ٦] وما يميّز المؤمن عن الكافر في البلاء -يا عباد الله- أنّ العبد المسلم يؤجر ويُثاب على صبره بجنة عرضها السماوات والأرض جزاءً بما صبر، ٧] ويقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنّ من أعظم ما يعيننا على الصبر على مصائب الدنيا هو التّوجه إلى الله -سبحانه- من أعماق قلوبنا ليشكف عنا البلاء؛ ٩] ثمّ يقيننا بوعد الله برفع البلاء؛ ١٠] ولا يخفى علينا أنّ حسن الظنّ بالله من أعظم ما يواجه به المسلم البلاء؛ ونستحضر أنّه -عزّ وجلّ- رحيمٌ ودودٌ قادرٌ على رفعِ البلاء مهما كانتْ شدّته ومهما عظُم أمره؛ ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال فيما يرويه عن ربّه -جلّ وعلا-: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، ١١] وليس من نافلة القول -عباد الله- الإشارة إلى أنّ المصائب والابتلاءات تخلتف وتتعدّد؛ فهذا رجلٌ ابتُليَ بالفقر، ١٢] وعلى المسلم حين البلاء أنْ يستشرف النعم في جوف الألم، فإنّ الله -تعالى- قد رحمني؛ إنّه هو الغفور الرحيم. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولِسائلٍ أن يسأل لماذا يبتلينا الله بالمصائب والأحزان والهموم والغموم؟ أقول أن الله لا يُسأل عما يفعل؛ ولكنّ الله بيّن لنا تفضّلا منه أسباب البلاء، فإذا أذنب العبد ذنباً صغيراً كان أم كبيراً فليتفطّن لأمر البلاء، وليسرع التوبة إلى الله -عزّ وجلّ-، فإنّ البلاء يقع أحياناً ليعلم الله -سبحانه- الصادقين من المؤمنين، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)؛ ١٦] فيظهر بالبلاء صدق الصادقين، وإنّ قدّرتَ علينا بلاءً فاجعلنا ممّن يرضى بالقضاء، ويصبر على البلاء يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الوباء والغلاء وسيء الأسقام برحمتك يا أرحم الرّاحمين. سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)،