إشكالية الحرية والخصوصيات عودة سريعة إلى الوراء تظهر لنا أنّ الإشكالية السياسية الأساسية التي واجهها الفكر الإغريقي هي إشكالية العدل. فكتابات الفلاسفة الإغريق تشدد على مفهوم العدل باعتباره مفهوماً مفتاحياً في الحياة السياسية والأخلاقية. لذلك نجد أفلاطون، يعطي العدل الأولوية المعيارية في النظام السياسي والأخلاقي الذي كرس جهده لتحديد معالمه. ولا نكاد نجد لمفهوم الحرية أثراً في منظومته الأخلاقية والسياسية. فالمجتمع السياسي الفاضل هو المجتمع السياسي العادل. ويتحقق العدل في المجتمع من خلال تكامل جهود أفراده، وقيام كل فرد بالوظيفة الاجتماعية التي تتناسب مع مهاراته واستعداداته النفسية والجسدية[1]. ومن هنا اعتبر أفلاطون أن التوازن والاعتدال السلوكي في الفرد، والتكامل الوظيفي والانضباط في استخدام الموارد المتاحة على مستوى المجتمع السياسي، القاعدة الأساسية لتحقيق مجتمع سياسي عادل. تمارس نشاطها الاجتماعي بعيداً عن حالة الفقر المدقع أو الثراء الفاحش. والاعتدال النفسي المتمثل بانضباط الفرد بمجموعة من القيم تحول دون تطرفه السلوكي، شرطان أساسيان عند أرسطو لتحقيق مجتمع عادل. 2] ويؤكدون أن الحرية تقتضي أن يعيش كل فرد كما يشاء، 3] ومن هنا اعتبر الفلاسفة الإغريق أنّ الحرية انفلات يتناقض مع الحياة الأخلاقية المبنية على الالتزام. وهي لذلك عكس الإشكالية التي واجهها الفكر الغربي الحديث في جهده لتجاوز الاستبداد الإقطاعي والملكي إبان بروز الدولة الديمقراطية الحديثة في أوربا. لذلك نجد الأدبيات السياسية في التاريخ الإسلامي تركز على مفاهيم الطاعة والانقياد إلى الشريعة بل نجدها تبرر إمارة المتغلب إذا رافقها عمل بأحكام الشريعة. 4] واستبداد البيت الأموي ثم العباسي بالملك. بل نجد أنّ الحرية برزت باعتبارها إشكالية أخلاقية وتصورية، تركزت حول مسائل الجبر والاختيار المشهورة في الأبحاث الكلامية. كما هو حال الدولة الحديثة، لذلك طرح سؤال الحرية في سياق التسيير والتخيير: هل الإنسان مُسير أم مخير؟ أو بتعبير مكافئ: هل الفرد مسؤول عن خياراته المرتبطة بالتقاليد وأساليب الحياة السائدة، وهل هو مطالب بالتصدي للانحرافات والقيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟  الحرية تحرير للفرد من القيود الاجتماعيـة 5] بيد أن هوبز يدرك أنّ حرية الفرد غير مستقلة كلياً عن حرية الجماعة السكانية التي ينتمي إليها، ولأنّ الفوضى السياسية خطر على أمن الأفراد، وبالتالي فإنّ سلطة الحاكم مستمدة من المجتمع السياسي، لا من سلطة خارجة عنه. وبالتحديد بحق الأفراد الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم. يعتبر توماس هوبز رائداً في الفكر السياسي الحداثي. إذ أننا نجد في كتاباته جهداً واضحاً لربط الحقوق والحريات السياسية بمفهومي القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي اللذين يشكلان القاعدة التي يقوم عليها النظام الديمقراطي الحديث. ثم الأمريكية، ليصبح اليوم المفهوم السائد في الأدبيات الغربية بعد أن هيمنت الرؤية السياسية البريطانية – الأمريكية على النظام السياسي العالمي. وذلك بغية تحقيق السلام والأمن”. 6] وعلى الرغم من تأكيد هوبز على أن القانون الطبيعي يعطي الإنسان حرية مطلقة في التصرف، فإننا نراه يدعو في كتاباته إلى التخلي عن الحرية لحاكم مطلق من أجل تحقيق السلام والأمن. هذه الرؤية للدولة الحديثة خضعت فيما بعد إلى تعديلات مهمة في المدرسة البريطانية، بل وأيضاً الحرية، وفي حين أطلق هوبز سلطة الدولة، وصيانة حرياتهم الشخصية والعامة. 7] أو ما يشار إليه أحياناً بالفلسفة القارية (Continental Philosophy). ذلك أنّ الفلاسفة القاريون عمدوا، بدءاً بكتابات روسو، كما يؤكد روسو، بفكرة الإرادة المشتركة. ويصف روسو هذه الإرادة بأنها واحدة لا يمكن تجزئتها إلى إرادات ثانوية، ولصيقة بأفراد الجماعة لا يمكن لأي منهم رفضها أو التخلي عنها، 9] واضح أنّ مفهوم الإرادة المشتركة مختلف عن مفهوم المصلحة العامة؛ فمفهوم الإرادة المشتركة يفترض تطابقاً في القيم والتصورات، ويعتنقوا ثقافة دينية لا تنطوي على أي انقسامات عقدية أو مدراس تفسيرية، وتتطابق فيه أحوال أفراده المعيشية. وتكاد الشروط السابقة تختفي في أي مجتمع سياسي يتجاوز في بنيته القبلية أو القرية. ثمة حاجة إلى آلهة كي تشرع للناس”. ودعى إلى تأسيس دين مدني يدفع الناس للالتزام بالقانون الوضعي التزاماً ذاتياً، كما يلتزم المؤمن بمبادئ دينه وعقيدته. وبالتحديد الحروب الأهلية بين الفرق الدينية، وبالتحديد الإيمان بإله رحيم عادل، والاعتقاد بمسؤولية الإنسان الوجودية أمام الله في الحياة الآخرة، وضرورة نبذ التعصب الديني والتشدد العقدي،