المشكلة من أن فيلسوفنا يرى مسألة إنكارهم حشر الأجساد في الآخرة اكتفاء بالبعث الروحاني فقط. أن أكثر هذه الأمور ليست مخالفة للشرع فإننا لا ننكر أن في الآخرة أنواع من اللذات أعظم من المحسوسات ولا ننكر بقاء النفس عند مفارقة البدن ولكن عرفنا ذلك بالشرع إذ قد ورد فيه بالميعاد ولا يفهم الميعاد إلا ببقاء النفس، وإنما إنكارنا عليهم هو معرفة ذلك من خلال العقل. وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . " فوجـود هذه الأمور الشريفة لا يدل على نفي غيرها بل الجمع بين الأمرين أكمل. وهي جوهر قائم بنفسه، بل دل عليه الشرع في قوله "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ[2]" وبقوله عليه السلام "أرواح الصالحين في حواصل طير خضر معلقة في العرش " وبما ورد من الإخبار بشعور الأرواح بالصدقات والخيرات، وسؤال منكر ونكير، أو من مادة استؤنف خلقها. ابن رشد: يرى ابن رشد أنه لا ينبغي التعرض لمبادئ الشرائع بقول مثبت أو مبطل في مبادئها العامة مثل هل يجب أن يعبد الله أو لا يعبد هل هو موجود أم ليس موجود، وأن الشرائع جميعها اتفقت على وجود الحياة الآخرة بعد الموت وإن اختلفت في صفة الحياة الآخرة. والفلاسفة تحدثوا في هذه المسألة لأنهم يرون أن الفلسفة تحقق وتمنح السعادة العقلية وتعلم صاحبها الحكمة والشريعة، تعلم الجمهور عامة ومع هذا فإن كل الشرائع نبهت بما يخص الحكماء واهتمت بما يشترك فيه الجمهور ويتم سعادة الحكماء -وهم الخاصة- بمشاركتهم للعامة من الناس، ومن فضيلة هؤلاء الحكماء أن لا يستهينوا بما تعلموه عندما كانوا من العامة. وكذلك في الإنجيل وفي شريعة الصابئة . ورؤية ابن رشد في بعث الأجساد أن ذلك الوجود الأخروي سوف يكون له نشأة أخرى أعلى من هذا الوجود وطور آخر أفضل من هذا الطور واستند إلى قوله تعالى في الحديث القدسي عن الجنة فيها " . وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" ويرى ابن رشد أيضا أنه عندما كفّر الغزالي الفلاسفة في قولهم أن البعث سيكون روحاني وحده فقد أخذ برأي الصوفية بالميعاد الروحاني في كتاب آخر له وأجاز القول بالميعاد الروحاني. وفي نفس الوقت كفر الغزالي هذه الفكرة في كتاب آخر له وهذا تخليط وبذلك فهذا الرجل أخطأ على الشريعة كما أخطأ على الحكمة.