كزافييه وسياسة التواجد الاستعماري بموريتانيا أولا: موريتانيا الجغرافية والتركيبة السكانية: 1- جغرافية موريتانيا: ودائرتي عرض 16 و26 شمالا ، تقع في الجزء الشمالي الغربي من قارة إفريقيا بين دول المغرب العربي في الشمال، والمحيط الأطلسي من الغرب، بواجهة يبلغ طولها حوالي 600 كلم بين ميناء نواذيبو الواقعة على الرأس الأبيض قرب الحدود مع الصحراء الغربية ومصب نهر السنغال ، وفيما عدا حدودها الجنوبية مع السنغال التي تتماشى مع نهر السنغال، فإن باقي الحدود السياسية مع الدول المجاورة ما هي إلا حدود هندسية مستقيمة أخذت شكلها الحالي في عهد الاستعمار الأوروبي لغربي وشمالي القارة الإفريقية . 169. وهي خامس دولة عربية من حيث المساحة، أما مناخها فعموماً يمتاز بأنه حار وجاف نظراً لطبيعة أراضيها الصحراوية القاحلة لكنه صحي، وهذا بحسب الارتفاع والانخفاض عن مستوى سطح البحر، وكذا القرب والبعد من نهر السنغال والمحيط الأطلسي، وتشهد البلاد تساقطا قليلاً وغير منتظم للأمطار رغم وقوعها على ساحل المحيط الأطلسي باستثناء فصل الصيف أين يبلغ أقصى ذروته خاصة في شهر أوت وبالخصوص في المنطقة الجنوبية، وهو ما انعكس على ازدهارها أكثر من المنطقة الشمالية. على الرغم من أنها جلها أراض صحراوية إلا أن شاسعة المساحة، واستراتيجية الموقع جعلها تحظى بتنوع وثراء طبيعي، مكنها من تحقيق مكانة وازدهار كبير في القديم، من أشهر هذه الأسماء نجد: صحراء الملثمين، بلاد التكرور، تراب البيضان وموريتانيا. - صحراء الملثمين: نسبة الى اللثام الذي كان يلبسه الصنهاجيون ، - بلاد شنقيط: تعتبر موريتانيا همزة وصل بين العالمين العربي والإفريقي، فقد عرفت قبل مجيء الفرنسيين ببلاد شنقيط ، نسبة إلى مدينة شنقيط التي تقع في الجزء الشمالي الغربي منها، حيث اشتهرت بوقوعها على طريق القوافل المسافرة من المغرب عبر الصحراء - إلى بلاد السودان الغربي ( خاصة تنبكتو )، كما تعتبر مركزاً ثقافياً علمياً، ومنارة من منارات الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة آنذاك . - بلاد التكرور: اختلف المؤرخون في تحديد موقع هذه المنطقة، وغربا إلى نهر السنغال، وتشير هذه التسمية إلى عهد تاريخي متأخر، فالمغافرة بطون من بني حسان نزحت إلى البلاد ضمن الموجات العربية التي دخلت بين القرنين 7 و 9 للهجرة . نسبة إلي البيض (إشارة منهم إلى السكان ذوي البشرة الفاتحة من شعوب الصحراء الكبرى)، ويذكر البكري أن مصطلح البيضان يشير إلى سكان الصحراء من صنهاجة القاطنين حول مدينة أوداغست ، - موريتانيا: أما تسمية موريتانيا فقد جاءت على إثر المهمة الاستطلاعية الذي قام بها الضابط الفرنسي كزافييه كابولاني بالمنطقة، فصدرت الموافقة على اقتراحه في قرار وزاري فرنسي، قبل كابولاني بحوالي نصف قرن باعتبار أن أصل الكلمة يوناني Tania باللاتينية بمعنى السود، بمعنى الأسمر، واللاتينية maures معناها أرض أو بلد فهي إذا بلاد السود وأرض السمر ، وهناك من يذكر أن أصلها أمازيغي مشتقة من كلمة أتمورتناغ: وهي تمورتنا وتعني أرضنا، وهو اسم جاء من قبائل المور المشهورة التي ناهضت الرومان والوندال وغيرهم من غزاة بلاد الأمازيغ القديمة . سواء كانت التي تعود منها الى المملكة الرومانية القديمة، وهو ما تذهب إليه غالبية المراجع، كما لا يوجد اسم يشير أو يقرب لها بين الأسماء التي عرفتها المنطقة خاصة وأنها وصفت واشتهرت بالعديد من الأسماء. - التركيبة السكانية: 1- أصل السكان: فئة الزنوج: من أقدم المجموعات البشرية التي سكنت موريتانيا، وقد أدى الزحف المتواصل للقبائل العربية والبربرية نحو الجنوب إلى زحزحة هذه المجموعات، ويتألف هؤلاء من قبائل عديدة: كالسوننكي، الولوف ، والبامبار ، تدين جميعها بالإسلام، كما أن معظمها يتحدث اللغة العربية والفرنسية، وهي جزء من مجموعات أكبر في السنغال وغرب إفريقيا . م)، وهم قبائل عديدة منها صنهاجة التي كانت بموريتانيا آنذاك والتي تتكون من: جدالة لمتونة ومسوفة، فهناك من ربطهم بسكان جنوب أوروبا، وهناك من رأى بأنهم عرب قحطانيون حميريون، وآخرون رأوا أنهم خليط من كنعان وعرب المعقل . القبائل العربية: نزحت للمنطقة مع الفتح الإسلامي قادمة من الهجرة العربية إلى مصر ومنها إلى شمال إفريقيا، مكونة عنصراً بارزاً وهاماً من أبرزها قبائل المعاقيل العربية، والتي كان لها تأثير كبير على المجتمع الموريتاني الحالي، والتي انجر عن خلافها مع الدولة المرينية بفاس نزوح بعض المجموعات منها والهجرة جنوباً نحو الصحراء الغربية وشمالي موريتانيا طلباً للحرية والنفوذ، وكانت أول قبيلة للمعاليق هي قبيلة: الترارزة، وذكر بعض المؤرخين أن معظم عرب موريتانيا الحاليين ينتمون إلى بني حسان بن معقل وينتهي نسبهم إلى جعفر بن أبي طالب، والبعض الآخر رأى بأنهم ينحدرون من عرب اليمن لأن في كليهما بطن يدعى معقل قدموا بعد تحطم سد مأرب . وإن اختلفت الروايات حول أصل هذه القبائل العربية وفترة نزوجها نحو موريتانيا فإنها تتفق جميعها في نظرنا على أنها قبائل تنحدر من الجزيرة العربية من أصول عربية. 2- بنية المجتمع الموريتاني: يشير الخليل النحوي أن اختفاء دولة المرابطين في بلاد شنقيط في منتصف القرن 11م، رغم صعوبة الظروف وعزلة البلاد قد خلف فراغاً سياسياً ودينياً، الزوايا أو سدنة العلم: وتطلق على القبائل المهتمة بالعلم ونشره، ولا تتميز هذه القبائل بانتساب عرقي أو سلالي خاص، يجمعها بل يعزى الأمر إلى سلم القيم الاجتماعية والوظيفية، وتتميز عادة بالكرم والضيافة، كحفر الآبار وصيانتها ورعي المواشي وغيرها . - فئة الغارمة: أي المجموعات التي لم تهتم لا بسيف ولا بقلم، يسمون أيضا بقبائل "اللحمة" أو "الأتباع"، تأتي هذه الفئة أسفل السلم الاجتماعي، فبسط عليها الطرفان – الزاوي والحساني- نفوذهما وسخروها للرعي وتربية الماشية. وتتمايز فيما بينها حسب الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية لكل منها . فقد شكلت "العرب "والزوايا" دون غيرهما من بقية الفئات البيضانية أو الزنوج قيادة ثنائية للمجتمع الشنقيطي وهو ما سوف يستغله الاستعمار لصالحه، فحاجة كل طرف لآخر دفعتهم إلى التعاون والتكامل فيما بينهم تجسيداً لمبادئ الدين الإسلامي وتمجيداً للعلم والسلاح، ثانيا: إرهاصات التواجد الأوروبي بموريتانيا: وفي عام 1442م، أنشأ البرتغاليون عام 1948م، عندما أدرك الهولنديين والفرنسيين ما تجنيه البرتغال من تجارة الرقيق مع البيضان سارعوا الى ارسال بعثات استكشافية نحو منطقة غرب افريقيا، وبمجرد وصولهم أصبحوا ينشؤن المراكز التجارية لتسهيل عملية التعامل مع السكان، وفي سنة 1552م، لكن تمكن الفرنسيون من استعادة تلك القلعة في السنة التالية . بدأ النفوذ الفرنسي والبريطاني في غرب افريقيا منذ عام 1560م، لأن افريقيا أنداك لم تكن من اطماعها، ولكن مع نهاية القرن15م وبداية القرن 16م، غيرت فرنسا وبريطانيا نظرتها بسبب كميات الذهب التي يجلبها البرتغاليين، وأصبحت المنطقة محط أنظارهم وبدأوا في التغلغل في غرب افريقيا، حيث كان هدف النفوذ الفرنسي استغلال المنطقة والتي وصلوا اليها سنة 1626مـ بعد الحروب التي عرفت بحروب الصمغ بين فرنسا وهولندا وبريطانيا، وأصبحت موريتانيا تحتل مكانة بارزة في السياسة الاستعمارية الأوروبية، وتم تأسيس مركز سان لويس عند مصب نهر السنغال عام 1659م . لاسيما بريطانيا التي ظلت تنافس فرنسا، واستمرت المشكلة بين الطرفين ولم تحل الا في سنة 1815م، بعد مؤتمر فيينا عندما أعطيت منطقة السنغال لفرنسا، وبموجب هذه المعاهدة خرجت بريطانيا من المنافسة عام 1817م، وفي الأخير فإن التنافس الأوروبي منذ القرن الخامس عشر الميلادي والى غاية القرن السابع ميلادي، ثالثا: كابولاني ومخطط استعمار موريتانيا: 1- البعثات الاستكشافية: ويتم ذلك باحتلال موريتانيا التي تمثل حلقة وصل أساسية بين الطرفين . تعود البدايات الأولى للتواجد الفرنسي في المنطقة إلى الفترة التي بدأ فيها التكالب الأوروبي على القارة الإفريقية في إطار الكشوف الجغرافية الأوروبية الكبرى بداية من القرن (15م/ 9هـ(، وتعتبر البرتغال أول من وصل الأراضي الموريتانية وأقام بها مراكز تجارية فيها وربطتها علاقات تجارية مع البيضان كما ذكرنا . فقد شكل حصن "أرغين" عند مصب نهر السنغال، الذي أمر الملك "الفونسو الخامس" ببنائه سنة 1552م، ريش النعام، ، حيث استولى عليها الهولنديون في 1638م، وبعدهم الانجليز سنة 1645م، ولم تستطع فرنسا بشكل عام استعادة السيطرة على ما تملك في السنغال (مستعمرة سان لويس إلا بعد توقيعها لمعاهدة باريس عام 1814م مع الانجليز لتنهي بذلك ولو جزئياً صراع استمر بينهما لأكثر من قرنين، لكن سرعان ما اصطدمت بمشاكل عدة من بينها ازدياد نفوذ الموريتانيين على الضفة اليسرى لنهر السنغال وعودة المنافسة التجارية للانجليز . عقد حكام السنغال عدة معاهدات مع القبائل الموريتانية لتوفير الحماية للتجار الفرنسيين والمستكشفين من غارات القبائل. والذي علقت عليه أمال كبيرة لتخليص السنغال من تهديد الموريتانيين بسبب الاضطرابات التي عرفتها المنطقة، مع نهاية الخمسينات من ق19، قام بإرسال مجموعة من البعثات لاستكشاف سواحل موريتانيا، خاصة موريتانيا من أجل إكمال المعلومات غير الكاملة حول الجغرافيا وأجناس وخيرات هذه الأصقاع، وتجدر الإشارة إلى أن "فيدهيرب" كان مشغولاً أكثر باكتشاف الشواطئ الموريتانية. - بعثة فينسان :Vincent وهو نقيب من القيادة العليا، نحو البراكنة، كما تعرف على مختلف الأودية المنحدرة من جبال تكانت وقدم معلومات عنها أكثر دقة من ذي قبل رغم الصعوبات التي واجهته. تمكن من مراقبة أسلوب عيشهم ومعرفة طباعهم وأخلاقهم وعاداتهم، إلا أنه لم يحصل إلا على القليل من الوثائق العلمية وفي السنة نفسها كلفت الحكومة الفرنسية سولي Charles soller ببعثة نحو الشواطئ الموريتانية لدراستها لأغراض تجارية . وتبعتها بعثة نقيب الهندسة فولكر :fulcrand نحو أرغين لنفس الهدف. - بعثة ليون فابير Leon Fabert 1891م: الذي صاحبه فيها ابن المقداد "دود سك" نحو أدرار وقد غلبت عليها المطامع التجارية والأمنية، - بعثة كاستون دوني1894 Gaston donnée م. - بعثة كابولاني Xavier coppolani 1899م: الذي كلفه حاكم السودان بمهمة وقبل احتلالنا لموريتانيا تم إرسال بعثة علمية بقيادة بلانشي} . قد تزامنت مع الاستعداد الفعلي لفرنسا لاستعمار البلاد على يد مفوضها الاستعماري كابولاني، والذي يعتبر حسب نظرنا أهم هذه الشخصيات الاستكشافية الذي مهد الطريق أمام السيطرة الفرنسية على القبائل الموريتانية من خلال تعامله معهم، ومهد أيضاً للاحتلال الفرنسي لموريتانيا حيث كانت مهمته التي أنجزها من خلال بعثته إلى بلاد شنقيط لفرض السلم في البيضان هي اللبنة الأساسية لمشروع فرض الحماية الفرنسية. 2- رحلة كابولاني الى السودان الغربي: لقد أعجب دترنتيان الجنرال الفرنسي في بلاد النيجر بأفكار الشاب كابولاني خصوصا ان شعوب البيضان في الأنحاء الشرقية كانوا يغيرون على المصالح الفرنسية، مما جعل الأمن غير مستتب في تلك المنطقة، مكونة من كابولاني وصديقه روبارت أرنو ومترجم جزائري يرافقهم جمع من المتخصصين والخبراء في عدة مجالات، انطلقت من سان لويس الى منطقة الحوض وتمبكتو، واستطاع اقناع بعض القبائل بالدخول تحت الحماية الفرنسية كقبائل الحوض التي التقى بشيخها" سيدنا وأخيه سعد بوه" واستطاع أن يكسب صداقتهما، وقد أهداه كابولاني سبحة ومصحفا مذهبا، وعلى عكس أخيه الشيخ التراد الذي كان لا يدعم الأوروبيين بصفة عامة، نجد أن نظرة الاستقطاب لدى كابولاني عن المشايخ الصوفية تظهر جليا في استخدامه الهدايا المتمثلة في المصاحف ودلائل الخيرات في كل من يمر بهم من المشايخ كما تمكن خلال هذه الرحلة من لقاء سيدي بن هنون كبير أولاد علوش الذي عقد معه صلحا، من خلال ما سبق يمكن أن نقول بأن كابولاني قد نجح نجاحا تاما في رحلته هذه. حيث تمكن من إقناع القبائل المعارضة ذات الشوكة والتي كانت تمثل غصة في حلق الفرنسيين من أمثال "أولاد علوش" والبرابيش، والتي جعلته محط الأنظار. بعد انتهاء كابولاني من مهمته، عاد الى سان لويس، حيث قدم تقريرا مفصلا باسم خطة لتنظيم قبائل المور، من أهم ما جاء فيه: - دراسة عامة عن قبائل البيضان وعلاقتهم المضطربة مع فرنسا - دراسة جغرافية واجتماعية للمناطق التي زارها - قابلية المنطقة للدخول تحت النفوذ الفرنسي بالهدايا والطرق السلمية وإخضاعها للسيطرة الفرنسية للعمل على التفاهم مع الطرق الصوفية بشكل يضمن كسبها، وجعلها واسطة في إقامة علاقات سياسية وتجارية مع السودان الشرقي والغربي . وشمالا وادي درعة وتندوف، واجهت كابولاني في تنفيذ مشروعه عدة عراقيل أهمها: - التجار الفرنسيين في سانت لويس، - الوالي الفرنسي في السنغال الذي رأى أن احتلال موريتانيا مسألة سابقة لأوانها وتحمل مخاطر جسيمة على الأمن والسلام في منطقة حوض نهر السنغال فوزير الخارجية الفرنسي دلكاسيه رأى أن احتلال موريتانيا حسب خريطة كابولاني سيدخل فرنسا في مشاكل مع اسبانيا فضلا على الاتفاقية بين المغرب وبريطانيا تتعلق بالسيادة البريطانية على المراكز الموجودة في الطرفاية . رغم كل هذا فإن كزافييه لم يستسلم، من خلال إدخال تعديلات حدودية على موريتانيا ناحية الشمال، وقعت فرنسا واسبانيا معاهدة باريس التي حددت الحدود بين الساقية الحمراء الاسبانية وموريتانيا الفرنسية، فأصدر قرارا في 6 جوان 1901م بتكوين لجنة وزارية مكلفة بفحص الحالة العامة لكل من الجزائر وإفريقيا الغربية، اجتمعت اللجنة لأول مرة في 14 أكتوبر 1901م، رئيس مكتب الجزائر بوزارة الداخلية وكابولاني، وبعد مداولات امتدت لأشهر قدمت اللجنة تقريرها في 3 مارس1902م، أوصت بضم موريتانيا للإمبراطورية الفرنسية، على هذا الأساس تم تعيين كزافييه مفوضا عاما للحكومة الفرنسية مكلفا بتنظيم شؤون موريتانيا، بعد صدور قرار الموافقة على مشروع كزافييه سنة 1889م، وقد كان شعار كابولاني خلالها هو التسامح الديني من خلال كسب ود الشيوخ، "وسيدي محمد فال"، وذلك بعد اغتيال الأمير السابق عمر سالم ولد محمد الحبيب . حيث تمكنت البعثة من فض النزاع الداخلي، وفي ديسمبر 1902م، وفي المقابل يحترم كابولاني الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المعمول بها وقبول اختيار أولاد دامان إدارة شؤون القبيلة وفق التقاليد الأميرية . رغم ما حققه كابولاني من نتائج في المنطقة، ظهرت قبائل رافضة لفرنسا من بينها: أولاد بو سباع وقبائل أدرار وايدوعيش وأولاد ريلانيس وأولاد أموني وأولاد أكشار، ففي 12 مارس 1904م هاجمت قبيلة أولاد بوسباع الرقيب "فيليب" عند تأكلات، وفي نفس السنة ترك أفري جان نواكشوط، 2- احتلال البراكنة (1904م): والقضاء على القبائل المتمردة، وجه كابولاني أنظاره إلى المناطق المجاورة؛ حيث كانت سياسته تقوم أساسا على التوسع نحوها لتأمين المناطق الفرنسية، وبعد أن تم له ذلك، وذلك تبعا للاتفاقية التي وقعتها فرنسا مع أمراء الترارزة، خاصة قبيلة أولاد عبد الله وقبيلة إدوعيش، أعلنوا رفضهم للفرنسيين، وهذا لأن أمير البراكنة كان أحمد ولد سيدي أعلي، على عكس أمير تكانت بكار ولد أسويد المعروف بمعارضته لهم ومن هنا، يظهر بأنه لم يكن احتلال البراكنة ومال وكوركول سهلا، كما حدث في الترارزة بحكم أن هذه المناطق، كانت تحت مجال أولاد عبد الله وإدوعيش، وتنظيم خطته العسكرية، تحت قيادة النقيب شوفو، تحت قيادة الملازمان "شيري" و"ديفور". - حرس قومي على الخيل مساعد شؤون المحليين . انتقل كابولاني هو الآخر برفقته 80 من رماة و. 5 من الفرسان والجمالة السود، تحت قيادة السيد الستر دي ري ، وفي هذه الأثناء، حيث أرسل هذا الأخير رسائل إلى كامل التراب البيضاني، أين وقعت معركة الكدية ليلة 18 سبتمبر 1903م ، ورغم هذه الجهود التي قام بها أمير تكانت وأمير البراكنة لمنع التقدم الفرنسي، ليكون النصر حليفا لفرنسا. نتج عن احتلال البراكنة تأسيس جملة من المراكز العسكرية، والاستفادة منها كمراكز لاحتلال المناطق المجاورة، ومركز مال وميت، ومركز بياخ وأميود ، إضافة إلى بروز نوع من المقاومة الدينية في المنطقة من طرف محمد عبد الجليل، حيث مارس هذا الشيخ الفقيه مقاومة صامتة من خيمته معتزلا من خلالها رجال الإدارة الاستعمارية، كما عمل على مقاطعة الفرنسيين . كما أدى إلى إرسال كابولاني مجموعة من الرسائل، أين بعث بها إلى الشيخ محمد عبد الجليل، أو سيتم اتخاذ الإجراءات ضدهم . من خلال دراستنا للاحتلال في مرحلته الأولى، الذي استطاع استغلال ما كانت تعانيه المنطقة من صراعات داخلية بين أفراد القبيلة حول السلطة والحكم، وهو ما تفطن له كابولاني واستغله بذكاء، بمرسوم جعل من إقليم موريتانيا إقليما مدنيا، لينتقل بعدها إلى الشطر الثاني من مشروع الاحتلال، للقضاء على جميع المقاومات في البلاد. 1- احتلال تكانت (1905م): بعد سيطرة كابولاني على إقليمي الترارزة والبراكنة، حيث استولى على نصف البلاد دون خسائر تذكر، ونتيجة لتصاعد المقاومة واتساع رقعتها، ليكون عنوانه الجديد استخدام القوة والسلاح، والقضاء على أي معارضة للوجود الفرنسي. ونتج عن ذلك تأسيس مركز اداري بتجكجة . ومخبأ سياسي لجميع القوى الرافضة للخضوع للإدارة الفرنسية، ونجد أيضا بأن كزافييه حقق خلال الشوط الثاني من مشروعه نجاحا كبيرا، التي ستكون سببا في نهاية مخططه الاستعماري، بعد تصاعد حركة المقاومة. 3- نتائج المخطط الاستعماري لكابولاني بموريتانيا: وتعنت القبائل الرافضة لأي أسلوب يرمي الى التوسع الفرنسي، ما جعل كابولاني يصطدم مع سيدي مولاي الزين ويقع في كمينه، 1- اغتيال كزافييه كابولاني: فأولها بقتله لكابولاني، ووزع عليهم أسلحة قديمة وفي طريقهم الى تجكجة التقوا بشخص سبق له العمل في المعسكر، لإنجاح عملية الهجوم، وأن ينتظروا إشارة الهجوم وهي : الله أكبر، دخل المجاهدون مع الرعاة فورا من الباب الشمالي، فاستشعر الحارس تحركاتهم وتسللهم على بعد 100 متر من المدخل ، فوقعت مناوشات أمام باب المدخل، أما كابولاني فقد كان يتناول العشاء في تلك الليلة، مرتديا ثيابا بيضاء ممدا على كرسي، ثم توجه بعد ذلك إلى ساحة القلعة، حول موضوع ضم أدرار، وعن رفض وزير المستعمرات "دوميرك" لعملية إخضاعها، وبعد ذلك خطى على الأرضية الأمامية لمقره خمسة أو ستة مسلحين، وخلال تجواله كعادته قبل خلوده إلى النوم عند التاسعة وخمس وعشرون دقيقة رأى الحارس "ولد مبارك" و"سيدي ولد الزين" يحملان اللبن أمام باب القلعة، والبعض الآخر كان يلعب بالورق، أما النقيب "جيرار" و"أفري جان" فقد كانوا نائمين . ورد عليه الضابط برصاصة من مسدسه سقط على إثرها شهيدا، وصاح "مات كابولاني" تمكن كابولاني بعد إصابته بالفرار بجراحه إلى أحد الغرف يصارع الموت ويصفه "كولومباني" بقوله: « وصلت أنا والضابط شيري إليه في البداية وحاولنا رفعه إلى سريره ثم لحق بنا البقية حيث حاول الطبيب تقديم الإسعافات لكن جروحه كانت مميتة »، وأضاف أرنو قائلا: «. »، ثم قال له: « أرنو أنا ميت لقد قتلني البؤساء» وهو ينزف بغزارة، وبعد تمكنه من التوصل إليه، رافق الطبيب إلى غرفته لتضميده، ثم تم نقله إلى غرفة الأكل فأخبره الطبيب أن الرصاص اخترق جوفه وظهره . نتج عن هذا الهجوم استشهاد أربعة شهداء في ساحة المعركة، أما الخسائر الفرنسية اضافة إلى كابولاني قتيلين وأحد عشر جريحا . كونها قائمة على أساس الدعوة إلى الجهاد، بعد ذلك خلف كابولاني الرائد مونتاني في الوقت الذي زادت فيه قوة وحماسة المقاومة خصوصا على يد أمير أدرار ولد عيد والشيخ ماء العينين، 1- احتلال أدرار(1909م): والتفوا حول أميرها ولد عيد والشيخ ماء العينين في الوقت الذي أعلن فيه هذا الأخير الجهاد لإيقاف التوسع الفرنسي . كان غزو أدرار كان سلميا ودبلوماسيا في بداية الأمر، وبذلك توافدت إليه القبائل طلبا للسلم والأمان، وهذا بعد صدور مرسوم سبتمبر 1908م، وفي نفس الوقت فقد كثف المجاهدون الموريتانيون من عملياتهم العسكرية ضد الفرنسيين، لكن ما إن وصل إلى منطقة أكرارت حتى لقي مقاومة عنيفة من الثوار المتربصين هناك وجرت بينهما معركة رهيبة كانت أولى المعارك التي تقع في أدرار، وعلى إثر ذلك تمكنوا من قتل الضابط ريبو قائد الحملة ، كما استشهد منهم ثلاثة مقاتلين ثم اتجه البقية نحو أكجوجت وحرروها من الحامية الفرنسية الموجودة هناك، وواصلوا مطاردة الفرنسيين. تجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين كانوا يريدون إخضاع أدرار بشتى الطرق السانحة لذلك، ولما رأى المقاومون الموريتانيون ذلك تيقنوا من ضرورة القضاء على هذه الحملة فدارت بينهما معركة في واحة المنيان، حيث تعرضت فرنسا لخسارة فادحة وعلى إثرها قتل قائد الحملة واستطاع الموريتانيون أخذ الأسلحة والجمال ،