تُعَدُّ قضية الالتزام من أهم قضايا النّقد الأدبي، فقد أصبحت مثاراً للخلاف بين النّقاد.والالتزام يعني تقيّد الأدباء في أعمالهم الفنية بمبادئ خاصة وأفكار معينة، فإذا قيـّد الأديب نفسه بهذه المبادئ وقصر إنتاجه عليها فهو الأديب الملتزم، بل هو منظّم لها في حدود العقل والمنطق والعرف والدّين، وإنّما هو احترام المرء للمبادئ والأعراف، ممّا يؤدّي إلى تحقيق الحرية وتوفير القوالب السّلوكية والفكرية والعاطفية بتوفير حياة آمنة في ظل مجتمع أخلاقي.والإلزام هو المحور الأساسي الذي تدور حوله المشكلة الأخلاقية، ولا يمكن تصوّر قاعدة أخلاقية بدونه، وزوال فكرة الإلزام يقضي على جوهر الحكمة العقلية والعملية، وبدون مسؤولية يضيع الحقّ والعدالة، وتعمّ الفوضى ويسود الاضطراب.والقيمة الأخلاقية غير القيمة الجمالية؛ لأنّه إذا كان صحيحاً أنّ كلَّ ما هو خير فهو جميل، فليس صحيحاً أنّ كل ما هو جميل فهو خير[1].وللإلزام مصادر منها:3- الوحي الإلهي[2].أما عن مصادر الإلزام الخُلقي عند المسلمين،1- العقل.2- الوحي.فالشّرع الإلهي هو الذي يكمّل الشّرع الأخلاقي الفطري،يُفهم ذلك من قوله تعالى:) وَقَالُواْ لَو كُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ([4]، أي: نسمع الوحي.قد يرى الدّارس أنّ شعراء العرب لم يلتزموا في شعرهم، والالتزام كان في الشّعر الإسلامي تقيّداً بتعاليم الإسلام وأوامره ونواهيه، ولكن كما بينا في مقال سابق تبيّن لنّا أنّ ثمّة التزاماً في الشّعر الجاهلي تمثّل في الإيمان بالقيم والمبادئ والعادات السّائدة آنذاك.فإذا كان معنى الالتزام " التزام الأديب بمسايرة وضع سائد في مجتمعه , فكذلك كانت الجمهرة الغالبة من الأدباء في كل عصر، وكل مجتمع "[5]. والشّاعر الجاهلي كان ملتزماً بالقيم والمبادئ التي آمن بها المجتمع؛ لأنّه فُطِرَ عليها وأضحت عنده طبعاً وسجيّة، فهذا الشّاعر لم يكن كما قالت (روز غريب) حراً من قيود الدّين والأخلاق[6] إلا بقدر، نعم كان حرّاً من قيود الدّين، مع أنّ البعض كان يدين بالحنيفية واليهودية والنّصرانية، وانحرف البعض، وهذا لا يعني كما ذهب د. عز الدين إسماعيل إلى " أنّ المؤثّر الدّيني سواء في الجاهلية والإسلام لم يستجب له الشّعراء، فترك الدّين، وترك الأخلاق، ترك لهما ميدانهما ووقف بعيداً لا يكاد يتأثر بهما. ولم يكن النّقاد منعزلين عن الشّعراء فوقفوا بجانبهم في موقفهم ولم يتخذوا من الدّين أو الأخلاق أساساً يرفعون به شاعراً ويخفضون آخر، واستبعدوا الخيرية من ميدان الحكم النّقدي،