حقيقة الموشّح: الموشّح نوع من الشعر قاد إليه الغناء، كما قادت إليه طبيعة الحياة والأحوال وفي تركيبه وقالب التقفية فيه، المطلع - القفل - الخرجة: في الموشّح مطلع، الدور: يتألَف الدور ممّا يلي المطلع ويقع بين الأقفال. الغصنِ - السّمط: الجزء في المطلع والقفل والخرجة يُسمَّى ((غُصناً)) والجزء في الدور يُسمّى من القيود الشعريّة التقليديّة، وكان في أوزانه وقوافيه شديد التنّوع. ٣نشأة فنّ التوشيح وأطواره: وقد نشأ الموشَّح نشوءاً طبيعياً على ألحان الأناشيد الشعبية التي كانت شائعة في البلاد. ثم أخذ يتعقّد حتى تكامل نظامه مع عبادة بن ماء السماء. أشهر الوشاحين: عبادة بن ماء السماء - محمد بن عبادة القزّاز - الأعمى التُّطَيّلي- ابن بقيّ - الحفيد بن زهر - ابن زمرك. تضاربَتِ الآراء في شأن الموشَّح، وتباينت الأقوال في حقيقته تبايناً شديداً فذهب ابن سناء الملك (١١٥٥ - ١٢١١) الى أنه ((كلامٌ منظوم على وزنٍ مخصوص١)، الشعر المسمّط٣. والذي يُرسل رائد النظر في هذه الأقوال جميعاً يجد أن أصحابها لم فكم من موشَّح للغناء وليست من الموشَّحات في شيء، أضف الى ذلك أنّ التَّسْميط نوع من الزخرفة الغناء، العروض، وإنه ليُخيَّل إلينا أنه زَجلٌ راقٍ ظهرت فيه اللغة الفُصحى وتركت فيه العَاميّة بعض آثارها. أما اسمه فمأخوذ من وشاح المرأة وهو قلادة من نسيج عريض مرصّع بالجوهر تشدّه المرأة بين عاتِقَيْها وكَشْحَيها؛ والأندلسيّون شديدو الشغف بمثل هذه التسمية- ولاسما من أشدّ الشعر زخرفَةً مناحيه وفنونه، يكثرون من أعاريضها المختلفة ويسمُّون ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها مُتتالياً فيما بعد الى آخر القطعة ، وأكثر ما تنتهي عندهم الى سبعة أبيات، ويشتمل كلّ بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب؛ وهو كلام شديد الإجمال، وخلاصة ما تقدّم أنّ الموشّح شعر وفي صیاغته وتعدُّد أجزائه. ما ظهر بالأندلس في عهد الدولة المروانيّة في القرن التاسع الميلاديّ، وبخروجه أحياناً على الأعاريض وباستعماله اللغة الدَّارجة والعَجَميَّة في بعض أجزائه، ٢ - تركيبُ الموشّح: فإن وُجد سُمي الموشّح تامًاً، وإن خلا سُمي أقرع. والقوافي في وهي في أكثر الموشّحات خمسة°. والقُفْلُ الأخير والخرجة تكون عادةً من ألفاظ العامّة ويرى ابن سناء الملك أنها قد تكون معربةً واذا كانت بَيْتَ شِعْر عَلِّمُوني كَيْفَ أَسْلُو وَإلَّا فَاَحْجُّبُوا عَنْ مُقْلَتَيَّ الْمِلَاحَا ورماديّاً زُطِيّاً) . والمشروع بل المفروض في الخَرْجة أن يُجعَلَ الصامت، أو أو غنَّى، قال ابن وهي العاقبة ) ويقع بين الأقفال؛ وهو يتألّف من أجزاء أقلُّها ثلاثة فصاعداً الى خمسة، والقوافي، وليس اختلاف القوافي شرطاً من شروط الموشّح. لا يجوز فيها التغيير، أما الأدوار فيجوز والدّور مع القفل الذي يليه يُسمّى بَيْتا١ً. قال مصطفى عوض الكريم: ((وأقلّ عدد لأغصان المطلع اثنان من نفس القافية كقول لسان الدين بن الخطيب : لَا تَحْسَبِ الْقَلْبَ عَنْ هَوَاكَ سَلَا وإنَّما حاسِدِي الّذي نَقَلا حَرَّفْ . لَكِنَّهُ يُبْرِئُّ الْعَلِيلْ ورَوْضُهَا زَاهِرٌ بَلِيلُ ورَشْفُهُ يَنْقِعُ الغَليْلْ . الحدّ حتى أغرب . المشرق فاستحقوا ما وصمهم به ابن خلدون من التكلُّف٢)، ٤- تقْفية الموشّحات وَوَزْنها: مما لا شكّ فيه أنّ الموشّحات شعر عربيّ، وأنّ هذا وأنه بتأثير الغناء والبيئة راح يتحرّر من القيود التقليديّة التي وضعها الخليل وسائر العروضيّين من بعده، وراح يفجّر من القافية قوافي ومن الوزن أوزاناً، في تنوّع عجيب لا عهد للغة والتربيع والتخميس وما الى ذلك من ألوان وأفانين. والوزن شديد التوسع في الموشّحات، وهذا التوسّع غير ما نجده عند العروضيّين من استعمال البحر تاماً أو مجزوءاً أو منهوكاً أو ما الى ذلك، على التّفعيلات، وخلاصة القول أن الموشحات تنقسم من حيث الوزن الى خمسة أقسام: القسم الأول ما كان على وزن شعريّ تقليدي ، والرابع ما له وزن من غير الأوزان الخلیلیة یدرکه السمع عند قراءته، والخامس ما ليس له وزن يدركه السمع عند قراءته ولا يوزن إلا بالتلحين وذلك بمد حرف وقصر آخر، ابن خاتمة١، وابن بسّام٢، والذين وخطّأوا العلماء والمؤرّخين في غير خَفَر، ثم جاءت الأبحاث العلميّة تُبدّد الأوهام، مقدّمةً الحجج والبراهين، معتمدةً أوثق المصادر٦. وتاريخ ظهور الموشّحات في الأندلس غارق في عالمٍ من الغموض، الضّرير. طريقتها - فيما بلغني محمد بن حمود القبّري الضرير . وقيل إن ابن عبد ربّه صاحب (وحكى الكاتب أبو الحسن علي بن سعيد العنسيّ في كتابه ((المقتطف من أزاهير الطُرف)) أن الحجازيّ ذكر في كتابه ((المسهب في غرائب المغرب)) أن المخترع لها بجزيرة الأندلس المقدّم بن معافى القبريّ من شعراء الأمير عبدالله المروانيّ وأخذه عنه أبو عمر أحمد بن عبد ربه صاحب ((العقد))، ثم غلبهما عليه المتأخّرون، ) ونحن أمام روايات الرّواة وأقوال وابن عبد والقزّاز من النابغين الذين خطّوا طريقِ النجاح في ذلك الفنّ. القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد). (تطوير للشعر المسمط الذي عرفه المشارقة من قبل))، وفرايتاغ ، ثم بعض أدباء العرب كشوقي ضيف وغيره؛ قال مصطفى عوّض الكريم: ((إن كثيراً من الأسئلة لشعر غنائيّ عجميّ، وهي النظريَّة التي جاء بها المستشرقان الاسبانيّان خوليان ريبيرا ومنديث بيدال، فالموشّح يختلف عن الشعر المسمّط وغيره من فنون النظم المشرقية بأنه إنما صُنع من أجل وأوزانه المستحدثة التي لم يعهدها العرب في المشرق تدلّ دلالة قوية على أنّ هذه ووجود الخرجة الأعجميّة هو الحلقة بين الموشّح وذلك الشعر الغنائي العجميّ. وظهور الموشّح في الأندلس دون المشرق، وفشَل المشارقة في الشعر الغنائيّ العجميّ، استطاع أن يأتي بموشّحة خالية من التكلّف هو ابن سناء المُلك الذي أدرك أن إحكام الموشّحة - على حدّ قول ابن بسّام - في أول نشأتها تُنظم أشعاراً على الأعاريض ثم جاء يوسف بن هارون الرماديّ ثم جاء عبادة بن ماء السماء (١٠٣٠؟) فتكامل معه نظام ((وهو الذي أعطاها شكلها التام في بناء الأقفال والأدوار، وائتلاف وتداخلها بعضها في بعض، حتى تنهي الى الخرجة التي يتشوّق إليها السّامعون وينتظرونها في شوق ولطفة٢)). حافلاً بالروعة . وهكذا كان التوشيح نبتة أندلسيّة قامت على أصول أعجميّة٣، وكان ((عمل أوائل الوشّاحين مزدوجاً، فقد كانوا يعرّبون الأغاني العجمية، العجمية مع التقيّد بالأوزان العربية لاسيّما ما كان منها مهملاً غير مستعمل - كما يقول ابن بسّام٦ - فجاء عملهم هذا متكلّفاً قاصراً على إرضاء ذوق العوامّ الذين لا يطلبون إلّا مجاراة الشعر للتلحين، فإذا قارنًا موشحاتهم بموشحات من جاء بعدهم وجدنا أنّ ٤- أشهر الوشّاحين: واشتهر فيه عدد كبير من و((كان في ذلك العصر شيخ الصناعة، سلك الى الشعر مسلكاً سهلاً فقالت غرائبه مرحباً وأهلاًا))، ثم محمّد بن عُبادة القزَّز الذي اتَّصل ببني صمادح أصحاب المرية، وبرع في فنّ التوشيح حتى قيل: ((كلّ الوشّاحين عيال على عبادة وهنالك الأعمى الُعلَيْلي٣ّ (١١٢٦) وابن بَقِيّ (١١٤٥) («وموشحاته في غاية الروعة تجمع بين الرقّة والمتانة، وقد ارتفعت بهذين الرجلين (الأعمى وابن بقي) مكانة الموشّحة وسمت الى منافسة القصيدة التقليدية، وابتدأ العصر الذهبيّ للموشّحات بالأندلس، قاصرة على الغزل والحمر والمدح٤)). وهنالك الحسن بن يِزار، ثمّ الحفيد بن زهر ١١٩٨) أشهر الوشّاحين في عهد الموحّدين. ولعلّ آخر وشّاح مشهور أنجبته الأندلس هو ابن زَمْرك (١٣٩٣). هذا الفنّ معالجة واسعة النطاق إلا في القرن التالي، ابن جعفر بن سناء الملك الشاعر المصريّ . ولد بالقاهرة سنة ١١٥٥ وتوفي سنة ١٢١١، والتّعبير عن خوالج الوجدان، وامتدادةَ الأمل وتحنانَ النّشوة الذّاهلة؛ كالمدح والرثاء والهجاء والزهد١ والتصوُّف وكانت موشّحات المدح تجري على الطريقة وكذلك