كنت أقرأ منذ أيام ٍ سيرة رجلٍ عظيمٍ ، دعتني هذه الملاحظةُ إلى التّفكيرِ في حياةِ المُعلّمِ، وعَجبتُ كيفَ أننا لا نُعنى بهذِهِ الحياةِ العِنايةَ الّتي تستحقُّها… ففي رأيي أنَّ مِهنةَ التّعليمِ أشرفُ المِهنِ وأشقُّها على الإطلاقِ . الا ترى كيفَ أنَّ المُعلِّمَ لا يعيشُ لِنفسِهِ بل لِتلاميذهِ، إلى هؤلاءِ الذينَ ينتظرونَهُ على مقاعِدِ المدرسةِ في الصّباحِ، وحلَّ محلّهُ فوجٌ جديدٌ، وهكذا تمرُّ الأجيالُ تحتَ نظرِ المُعلِّمِ، يُحارِبونَ بالسلاحِ الذي وضعهُ في أيديهم ذلك البطلُ المجهولُ. وهوَ يواجِهُ في كلِّ ساعةٍ مُشكلةٌ، من هذهِ المشاكلِ الصغيرةِ التي لا يشعُرُ بِها سائِرُ النّاسِ. فَهُناكَ التّلميذُ اللّعينُ ينتظِرُهُ هَفوةٍ تبدُرُ منهُ، هذا إلى دُروسٍ يجبُ أن تُحضَّرَ، وميزانٍ يجبُ أن يُمسكَهُ المُعلّمُ بيدهِ، ليحكُمَ على هذا وذاكَ حُكمًا يوحيهِ العدلُ والعقلُ. فالمُعلّمُ يُسلّحُ أفكارَ الناشئينَ بالحقِّ أمامَ الباطِلِ ، وبالفضيلةِ ليقتلوا الرذيلةَ، وبالعلمِ ليقضوا على الجهلِ . ويضئُ الطّريقَ المُظلِمَ. وقاسوا الأشياءَ بفوائدها لقوموا المُعلّمَ أكبرَ قيمة.