وتشاؤم وافتخار بنفسه. وأبو الطيب كنيته اما لقبه فهو المتنبي واسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي ولد سنة 303 هـ الموافق 915 م بـ الكوفة في محلة تسمي كندة (وهم ملوك يمنيون) التي انتسب إليها وقضى طفولته فيها (304-308 هـ الموافق 916-920م). قتله فاتك بن أبي جهل الأسدي غربي بغداد سنة 354 هـ الموافق 965 م. وبخاصة شعر أبي نواس وابن الرومي ومسلم بن الوليد وابن المعتز. وعني على الأخص بدراسة شعر أبي تمام وتلميذه البحتري. لم يستقر أبو الطيب في الكوفة، أدرك بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أن مواجهة الحياة تزيد من تجاربه ومعارفه، فرحل إلى بغداد برفقة والده، ورحل بعدها برفقة والده إلى بادية الشام يلتقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم و يمدحهم، وفي بادية الشام والبلاد السورية التقي الحكام والأمراء والوزراء والوجهاء ، اتصل بهم ومدحهم، وتنقل بين مدن الشام يمدح الأمراء والوزراء وشيوخ القبائل والأدباء . المتنبي و سيف الدولة الحمداني ظل باحثاً عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ، واتصل بسيف الدولة بن حمدان، فوفد عليه المتنبي وعرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا واصبح المتنبي من شعراء بلاط سيف الدولة في حلب، وأجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة وقربه إليه فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه وتقديمه إياها على ممدوحة، فكان أن حدثت بينه وبين سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه وكانوا كثراً في بلاط سيف الدولة . ازداد أبو الطيب اندفاعاً وكبرياء واستطاع في حضرة سيف الدولة أن يلتقط أنفاسه، إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور أبو الطيب المتنبي حدوده، وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعداً وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، أحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير. وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر والأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وأصابته خيبة الأمل لاعتداء ابن خالويه عليه بحضور سيف الدولة حيث رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة ، فلم ينتصف له سيف الدولة ، بعد تسع سنوات ونيف في بلاط سيف الدولة جفاه الامير وزادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها ، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك . انكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي . فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. وبقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة وبعد ترحاله في بلاد عديده بقي سيف الدولة في خاطر ووجدان المتنبي . المتنبي و كافور الإخشيدي الشخص الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي. فقد فارق أبو الطيب حلباً إلى مدن الشام ومصر وكأنه يضع خطة لفراقها ويعقد مجلساً يقابل سيف الدولة. و كان مبعث ذهاب المتنبي إليه على كرهه له لأنه طمع في ولاية يوليها إياه. و لم يكن مديح المتنبي لكافور صافياً، بل بطنه بالهجاء و الحنين إلى سيف الدولة الحمداني في حلب ، فكان مطلع أول قصيدته مدح بها كافور: فكأنه جعل كافورا الموت الشافي والمنايا التي تتمنى ومع هذا فقد كان كافور حذراً، بل إن وشاة المتنبي كثروا عنده، و هجا كافور و مصر هجاء مرا ومما نسب إلى المتنبي في هجاء كافور: من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه السود أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردود و استقر في عزم أن يغادر مصر بعد أن لم ينل مطلبه، و قال يومها قصيدته الشهيرة التي ضمنها ما بنفسه من مرارة على كافور و حاشيته، عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد إذا أردت كميت اللون صافية وجدتها وحبيب النفس مفقود وفي القصيدة هجوم شرس على كافور وأهل مصر بما وجد منهم من إهانة له وحط منزلته وطعنا في شخصيته المجنونة ثم إنه بعد مغادرته لمصر قال قصيدةن يصف بها منازل طريقه وكيف أنه قام بقطع القفار والأودية المهجورة التي لم يسلكها أحد قال في مطلعها: وكل ناجة بجاوية خنوف وما بي حسن المشى وقال يصف ناقته: ضربت بها التيه ضرب القمار إما لهذا وإما لذا لإذا فزعت قدمتها الجياد وبيض السيوف وسمر القنا وهي قصيدة يميل فيها المتنبي إلى حد ما إلى الغرابة في الألفاظ ولعله يرمي بها إلى مساواتها بطريقه فقد قصد امراء الشام و العراق وفارس، فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي في شيراز و ذالك بعد فراره من مصر إلى الكوفة ليلة عيد النحر سنة 370 هـ. فلما كان المتنبي عائدًا يريد الكوفة، وكان في جماعة منهم ابنه محشد وغلامه مفلح، وكان في جماعة أيضًا. فاقتتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محشد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد. اتهرب وأنت القائل فرجع فقاتل حتى قتل ولهذا اشتهر بأن هذا البيت هو الذي قتله. شعره وخصائصه الفنية وحياته، واضطرابات، وخصب أخيلته، اشتهر بالمدح، وثغرُكَ باسم الوصف كما صور نفسه وطموحه. لها ثمر تشـير إليك منـه *** بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها *** أجابتـه أغـانيُّ القيـان وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته: وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه *** وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل الرثاء للشاعر رثاء غلب فيه على عاطفته، وانبعثت بعض النظرات الفلسفية فيها. بكيتُ عليها خِيفة في حياتهـا *** وذاق كلانا ثُكْلَ صاحبه قِدما أتاها كتابي بعد يأس وتَرْحَـة *** فماتت سروراً بي ، ويردد نوازعها وآلامها. ومن حكمه ونظراته في الحياة: ومراد النفوس أصغر من أن *** نتعادى فيـه وأن نتـفانى غير أن الفتى يُلاقي المنايـا *** كالحات ، ويلاقي الهـوانا ولـو أن الحياة تبقـى لحيٍّ *** لعددنا أضلـنا الشجـعانا وإذا لم يكن من الموت بُـدٌّ *** فمن العار أن تموت جبانا فقد حفظ أبو الطيب المتنبي كتاباً بمجرد أن نظر إليه، فقد كان عدد صفحات الكتاب 30 صفحة. رحلته في بادية الشام:- كان أبو الطيب المتنبي على اتصال بالأمراء والقبائل التي توجد في بادية الشام فقد كان يمدحهم. و كان أبو الطيب المتنبي لديه قضية تشغل تفكيره وأراد أن يعلن عنها من خلال شعره بشكل صريح حتى وصل الأمر أن أصدقائه قامو بتحذيره بسبب هذه القضية. وفشل أبو الطيب المتنبي في أن أن يقوم بتنفيذ القضية التي تشغل تفكيره مما أدى إلى دخوله إلى السجن . وكان لدخوله السجن أثر سلبي واضح عليه فأدرك أبو الطيب المتنبي انه ليس الوحيد الذي لم يستطع الوصول إلى حلمه فقد كان يريد ان يُنهي الفساد الذي يوجد في المجتمع . حياة المتنبي بعد خروجه من السجن:- عادت حياة أبو الطيب المتنبي كما كانت مليئة بالقلق والخوف وذهب إلى طبريا ( وهي من أقدم المدن الفلسطينية ) وألتقى بشخص يدعى بدر بن عمار( وهو أمير طبريا ) وأخذ أبو الطيب المتنبي يمدح فيه ولكنه أحس ان بدر بن عمار لن يستطيع أن يساعده في تحقيق أحلامه . وظل أبو الطيب المتنبي ينتقل من بلد إلى أخرى حتى أستقر في أنطاكيا (تركيا حالياً) وأصبح على أتصال مع سيف الدولة ورحل معه إلى حلب. فأصبح المتنبي هو الذراع الأيمن لسيف الدولة فقد كان المتنبي يشارك سيف الدولة كل أنتصاراته. ومن خلال مساعدة وحب سيف الدولة لأبو الطبيب المتنبي أستطاع المتنبي أن يعيش عيشه كريمة وكان من أكثر الشعراء تميزاً عن غيره، هذا الأمر الذي جعل العديد من الشعراء يحسدوه والقيام بالعديد من المحاولات حتي يتم الوقيعة بين المتنبي و سيف الدولة، وعلى أثره ترك أبو الطيب المتنبي سيف الدولة وظل يعاتبه في قصائده. وبسبب أن أبو الطيب المتنبي كان صريحاً وكان غير قادراً على السيطرة على لسانه كان هذا هو الدافع الذي يجعل منافسيه يقوموا بتدبير الوقيعة بينه وبين والي مصر وقتها وهو ” كافور “. وبالفعل حدثت الوقيعة بينهم ولم ينال المتنبي مراده في الولاية فقام المتنبي بهجاءه هجاءً لاذعا. من أشهر أقواله :- إذا أنت أكرمت الكريم ملكته . وإن انت أكرمت اللئيم تمردا. مقتله :- بعد أن حدثت الوقيعة بينه وبين كافور، ولاذ المتنبي بالفرار بسبب أنتصار فريق الأسدي، فرد عليه المتنبي قائلاً: قتلتني قتلك الله. لا تقل شأنًا عن ناحيته السياسية والحربية، وقد وردت في ذلك أخبار متفرقة تدل عليه. رغم النزعة الشائعة؛ إذ ذاك في كراهيته، فيروي صاحب اليتيمة أن سيف الدولة أمر بضرب دنانير للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه وصورته، أبدع من هذه الدنانير لم يجر قديمًا في خاطر الكرم في دهرنا عُوذَةً من العدم وأدل على ذلك ما ذكره المتنبي في صفة خيمة لسيف الدولة، ففيها صورة روضة بديعة لم يحكها السحاب وإنما حاكها النساج، وملك الروم يسجد لسيف الدولة، ويخضع له ويتذلل، إذ لا يقدر على تقبيل كمه ويده لارتفاع مكانه. وفي حواشي الخيمة لآلئ من النسيج تكاد لا تختلف عن اللآلئ الحقة إلا أنها لم تنظم ولم تثقب، ففي ذلك يقول المتنبي: عليها رياض لم تحكها سحابة وأغصان دوحٍ لم تغن حمائمه من الدر سمط لم يثقبه ناظمه ترى حيوان البر مصطلحًا بها وفي صورة الرومي ذي التاج ذلة لأبلج لا تيجان إلا عمائمه تقبل أفواه الملوك بساطه ويكبر عنها كمه وبراجمه ومن بين أذني كل قرمٍ مواسمه قبائعها تحت المرافق هيبة ثم أولع بالموسيقى، فأسمعه الفارابي من قانونه خيرًا مما سمع. وأنمى من هذا وأظهر ناحية سيف الدولة الأدبية، ولم يذكر المؤرخون لنا كيف ثقف وكيف عُلِّم، كما كان يعرف أيام قبيلته (تغلب) ومفاخرها. يقول فيه المتنبي: ومن مظاهر حبه للأدب وسعة اطلاعه وحسن ذوقه أنه كان كثيرًا ما يتمثل بأبيات قديمة، وتعجبه أبيات يرددها، فمرة — مثلًا— ورد على خاطره بيتان للعباس بن الأحنف: أمِنِّي تخاف انتشار الحديث ولو لم أصنه لبقيا عليـ ـك نظرت لنفسي كما تنظر فقال المتنبي أبياته المشهورة: وسرك سري فما أظهر إلخ ثم مجلسه الأدبي الحافل في حلب، والذي قل أن يكون له نظير؛ فالشعراء والأدباء في مجلسه يثيرون الموضوعات المتنوعة، ويساهم فيها سيف الدولة، وأحيانًا يسألهم إجازة الشعر، لك جسمي تُعِلُّه ويطلب من أبي فراس أن يجيزه، فيقول: فلي الأمر كله ومرة يسأل المتنبي أن يعيد إنشاد قصيدته: على قدر أهل العزم تأتي العزائم فلما وصل إلى قوله: وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم قال سيف الدولة: قد انتقدنا عليك هذين البيتين؛ كأنك في جفن الردى وهو نائم وسأل سيف الدولة مرة من في مجلسه: هل تعلمون اسمًا ممدودًا وجمعه مقصور؟ فلم يحيروا جوابًا إلا ابن خالويه فقال: عذراء وعذارى، وصحراء وصحارى، فلعله كان يتغنى بها فيظن بعض الناس أنها له، فتمنيت أن تكوني بعيدًا والذي بيننا من الود باق تجنى عليَّ الذنب والذنبُ ذنبُه فهلا جفاني حين كان لي القلب إذا برم المولى بخدمة عبده تجنى له ذنبًا وإن لم يكن ذنب كان المتنبي بعد خروجه من سجنه لدعواه النبوة، أو لما قيل من دعواه النبوة بائسًا فقيرًا ناقمًا على الزمان وأهله، يشعر بعظمته وعلو نفسه؛ فهو يتردد على من يسميهم الناس عظماء، فيمدحهم فلا يجد عندهم تقديرًا لنفسه ولا لشاعريته، حتى رووا أنه مدح علي بن منصور الحاجب بقصيدته التي مطلعها: وقالوا: إن أكثر ما نال على شعره قبل اتصاله بسيف الدولة كان مائة دينار، فكان اتصاله بسيف الدولة صفحة جديدة في أدبه، ومدحه بقصائد كثيرة، شاعر المجد خدنه شاعر اللفـ ـظ كلانا رب المعاني الدقاق لم تزل تسمع المديح ولكـ ـن صهيل الجياد غير النهاق وكان بها أبو الطيب، وكان قد سمع سيف الدولة به وبشعره، ورأى أن يُزين به بلاطه، وعرض عليه أن يكون شاعره. ويرى أن ذلك أمنية الأماني وسعادة الدهر، وأداه تردده أن يشترط، لم يشترط مالًا يُعطاه، ولا جائزة ينالها، وهو لهذا ضامن، ولكنه اشترط ألا يُعامل معاملة سائر الشعراء؛ بل شاعرًا وعظيمًا، وقد سمع أن الشعراء يذلون لسيف الدولة ذلة لا يرضاها لنفسه؛ وأنهم ينشدون شعرهم وهم وقوف أمامه؛ إنما يكون «ملك الشعراء يمدح ملك الناس»؛ فإذا كان سيف الدولة راكبًا مدحه المتنبي وهو راكب، لبث المتنبي مع سيف الدولة نحو عشر سنين من سنة ٣٣٧ إلى سنة ٣٤٦ أغلبها في حلب، وأجود شعره كيفًا. لم يَجُدْ شعر المتنبي في زمن جودته أيام سيف الدولة لأسباب: أهمها أن المتنبي لم يجد ما يُغذي نفسه وعواطفه في نواحيها المختلفة كما وجدها في هذه الأيام، ويقول في أبياته: فسأل سيف الدولة المتنبي ما تقول؟ فقال: