غزوة بني قريظة غزوات الرسول. بعد عودة النبي ﷺ من الخندق ووضعه السلاح امر الله تعالى نبيه بقتال بني قريظة. فامر الحبيب أصحابه بالتوجه إليهم وقد أعلمهم بأن الله تعالى قد أرسل جبريل اليه حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب وأوصاهم بأن: ولا يصلين أحد العصر إلا في بني ليزلزل قريظة (1). وضرب المسلمون الحصار على بني قريظة خمسا وعشرين (٢) ليلة، ونفذ حكم الإعدام في أربعمائة في سوق المدينة حيث حضرت أخاديد وقتلوا فيها بشكل مجموعات، وهذا جزاء عادل نزل بمن أراد الغدر وتبرأ من حلفه للمسلمين وكان جزاءهم من جنس للسبي، بالقضاء على بني قريظة خلت المدينة تماما من الوجود اليهودي، لديه القدرة على المؤامرة والكبد والمكر، وتؤمل في يهود بأن يكون لهم موقف ضد المسلمين، أولاً: المعجزات الحسية الرسول الله ﷺ: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إنا يوم الخندق نحفر، فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال: كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة (1) وهذه ابنة بشير بن سعد تقول : دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفتة من تمر في ثوبي ثمقالت : أي بنية، قالت فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله ﷺ وأنا التمس أبي وخالي فقال : تعالى يا بنية ما هذا الذي معك؟ فقلت يا رسول الله، هذا الذى تمر بعثتني به أمي إلى بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغذيان، بأن ستقتله الفئة الباغية، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة» (٢) . خير إن الذين جاءوا من بعد فوجدوا سلطان الإسلام ممتداً، بعيدين عن الفتنة والإبتلاء، هم بحاجة إلى نقلة بعيدة يستشعرون من خلالها أجواء الماضي بكل ما فيه من جهالات وضلالات وكفر. وبعد ذلك يمكنهم تقدير الجهد ثالثا: سلمان منا أهل البيت (۲) : قال ﷺ : ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً، وقد استدل طائفة من العلماء بهذا الصنيع على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال كما هو مذهب مكحول والأوزاعي (4). صلاها تبعا بعدما خرج وقتها وفرغ لأدائها وهذا يدل على مشروعية قضاء الفائتة ولا ينقض هذه الدلالة ما ذهب إليه البعض من أن تأخير الصلاة لمثل ذلك الإنشغال كان جائزاً إذ ذاك ثم نسخ حينا شرعت صلاة الخوف للمسلمين رجالاً وركبانا عند التحام القتال بينهم وبين المشركين، خامساً: الحلال والحرام: عرضت قريش فداء مقابل جثة عمرو بن ود. فعندما نقض يهود بني قريظة عهدهم مع رسول الله أرسلت يهوديا ليستطلع وضع الحصن الذي فيه نساء المسلمين وأطفالهم فأبصرته صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﷺ فأخذت عموداً ونزلت من الحصن فضربته بالعمود فقتلته، ففي قصة صفية عمة رسول الله الله وقتلها لليهودي جاء في رواية سندها ضعيف (1) أن صفية رضي الله عنها قالت الحسان بن ثابت إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، قالت صفية : فلما قال ذلك، حسان إنزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني إن استلبه إلا أنه رجل فقال: مالي بسلبه من حاجة يا وهذا الخبر لا يصح لأمور منها : 1 - من حيث الإسناد فالخبر ليس مستدا وهو ساقط لا يصح ولا يجوز أن يروى، فأمر رسول الله ﷺ أن تكون رفيدة الأسلمية الأنصارية رئيسة ذلك المستشفى لابن هشام. يقال لها رفيدة في مسجده، وتحتسب بنفسها على خدمة من به ضيعه من المسلمين، إن كان له أهل اعتنى به أهله وإن لم يكن له أهل ، جيء به إلى المسجد حيث ضربت خيمة فيه لمن كانت به قبعة من وليس به ضيعة، جعله في تلك الخيمة التي أعدت لمن به ضعية وليس له أهل، وهذا منهج نبوي كريم أصبح دستوراً للمسلمين على مدى الزمن. وقد قال لبابة: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله على مماصنعت قالت أم سلمة فسمعت رسول الله ، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار الناس ليطلقوه فقال : لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده. وإن موطن العبرة في هذا الموقف يكمن في تصرف أبي لبابة بعدما وقعت منه هذه الزلة التي أفشى بها سراً حربياً خطيراً فأبو لبابة لم يحاول التكنم على ما بدر منه والظهور أمام رسول الله ﷺ ، وكان بإمكانه أن يخفي هذا الأمر حيث لم ولكنه تذكر رقابة الله عليه وعلمه الله العظيم عليه وهو الذي انتمنه على ففزع لهذه الزلة فزعاً عظيماً وأقر بذنبه واعترف به وبادر إلى العقوبة الذاتية التلقائية، وقد فرح الصحابة وفرح النبي نفسه، حتى كانت أم سلمة زوجة النبي ﷺ هي التي بادرت بالتهنئة بعد الإذن فبشرته بقبول الله توبته . وقد أنزل الله تعالى في أبي لبابة قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وأنتُم تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عنده أجر عظيم ﴾ [الأنفال : ٢٧] . ظهرت لسعد بن معاذ رضي الله عنه في هذه الغزوة فضائل كثيرة تدل على فضله ومنزلته عند الله ورسوله منها : وأخرجوه، قوموا إلى سيدكم». وعندما نقذ حكم الله في يهود بني قريطة رفع سعد يده يدعو إلى الله ثانية بقول اللهم فإنى أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم (يعنى قريشاً فافجرها واجعل موتى فيها) (۲) وقد استجيب دعاؤه فانفجر جرحه تلك الليلة ومات رحمه الله . ونرى من سيرته أنه لو أقسم على الله لأبره، وأمه تبكيه وتقول : ويل أم سعد سعداً حزامة وجدافقال: كل نائحة تكذب إلا أم سعد، ثم خرج به وقال: يقوم له القوم: ما حملنا يا رسول الله، لقد ضم ضمة ثم وها هو رسول الله ﷺ يودع سعداً كما روي عبد الله بن شداد: دخل رسول الله ﷺ وهو يكيد نفسه فقال : الجزاك الله خيراً من سيد قوم. لقد أثنى النبي على هذا العبد الصالح بعد موته كثيرا أمام الصحابة ليتعرف الناس على أعماله الصالحة فيتأسوا به فقد قال : اهتز عرش الرحمن الموت سعد بن معاذه (1) وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : أهديت الرسول الله ﷺحلة حرير فجعل أصحابه يلمسونه ويعجبون من لينها فقال: أتعجبون من لين هذه؟ المناديل سعد بن معاذ في الجنية خير منها والين ) (٥) وأسيد ابن الحضير وأبو نائلة سلكان، التي هي قاله الأشد قال تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته . حملته أمه كرها ووضعته كرها والله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده و أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من غزوات الرسول ) واستبشر أهل السموات والأرض بقدون واهتز له عرش الرحمن فرحا لوفاته من دون خلق الله أجمعين كان سعد بن معاذ، الحادي عشر: مقتل حيي بن أخطب ، فأمر به النبي ﷺ فضربت عنقه (۲) . ثم أقبل على الناس قبل تنفيذ حكم الإعدام وقال لهم : أيها الناس: إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، وفي مقتل حيي بن أخطب دروس وعبر منها : فقد ألب القبائل العربية واليهودية على محاربة الإسلام ونبيه وأقنع بني قريظة، والعزة بالإثم تأخذه إلى جهنم وبئس المصير لأنه يعبد هواه ولم يعبد ربه قال الله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأَضلهُ اللهُ على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾ [الجاثية : ٢٣]. ج - من يخذل الله يخذل: إن الله تعالى إذا خذل أحدا ليس له من نصير يمنعه أو يدفع عنه قال سبحانه: وإن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ [آل عمران : ١٦٠]. ولا توجد قوة في الأرض ولا في السماء تنصره وتحول بينه وبين الهزيمة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى: ﴿ وَإِن يَمْكَ اللَّهُ بِضُرٍ فَلَا كَاشِفَ لَهُ الأهو وإن يمسسك بخير فهو على كُلِّ شيء قدير ﴾ [الأنعام: ١٧]. قتل كعب بن أسد القرظي كعب بن أسد، وقبل أن يضرب رسول الله ﷺ عنقه جرى بينه وبين كعب الحوار التالي :قال رسول الله : كعب بن أسد؟». قال كعب بن أسد: نعم يا أبا القاسم . قال رسول الله : ما انتفعتم ينصح ابن خراش لكم، ولولا أن تعيرني يهود بالجزع من البين ولكني على دين يهود. ونلحظ خبر مقتل كعب بن أسد، وأنه على علم بصدق رسالة رسولنا ولكنه لم يؤمن ولم يدخل الإسلام خوفا من أن تعبيره يهود بأنه جزع من السيف فعدم إيمانه وبقاؤه على الكفر كان نتيجة ريائه، وتعييره وهذا دليل على السفة والحمق وخذلان الله لهذا اليهودي المخادع . الثاني عشر: شفاعة ثابت بن قيس في الزبير بن باطا، وسلمي بنت قيس في رفاعة بن سمؤال القرظي ۱ - شفاعة ثابت بن قيس في الزبير بن باطا أقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله ﷺ فقال : هب لي الزبير اليهودي أجزء فقد كانت له عندي يد يوم بعاث فأعطاه إياه، فقال الزبير: ليس لي قائد وقد الخذتم امرأتي وابني، فرجع ثابت إلى رسول الله ﷺ فاستوهبه امرأته وبنيه ووهبهم له، فرجع ثابت إلى الزبير، قال الزبير : أسألك بالله يا ثابت وبيدك التي عندك بعاث إلا ألحقتني بهم، فليس في العيش خير بعدهم، كانت سلمي بنت قيس وكنيتها أم المنذر أخت سليط بن قيس، ويساعدها ويشجعها على فعل الخير. لكان أولى العصور به عصر رسول الله ﷺ ، وحاصل ما وقع أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت - وقت الصلاة - توجيها لهذا النهي الخاص عن النهي العام عن تأخير الصلاة عن وقد علق الحافظ بن حجر على هذه القصة فقال : ثم الإستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، وأنه كناية على الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة، وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه لم يعنف أحد من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم. الرابع عشر توزيع غنائم بني قريظة وإسلام ريحانة بنت عمرو: ۱ - جمع صحابة رسول الله الله الغنائم التي خلفها بنو قريظة،