مما دفع بمعظم التشريعات الى اتخاذ القانون التجاري كقانون مستقل عن القانون المدني الذي يعتبر الشريعة العامة للقوانين، وذلك من اجل تنظيم العلاقات التجارية ، انطلاقا من المبدأين السرعة والائتمان السالف ذكرهما باعتبارهما الاساس الذي تقوم عليهما التجارة المحلية والدولية واللذان تفتقدهما الحياة المدنية ، حيث أضحت الدول المتقدمة والمتطورة تتنافس لا بل تتصارع للسيطرة وبسط نفوذها على طرق التجارة الأقصر التي تحقق الوصول الأسبق والسريع للأسواق التجارية و الاقتصادية . عكفت مختلف الأنظمة القانونية في السير نحو تأسيس لقضاء تجاري مستقل ، لذلك تكونت لدى المشرع الجزائري وكغيره من المشرعين قناعة لإنشاء قضاء تجاري مستقل ، والتي خلقها انفتاح السوق الاقتصادي والتجاري ، والإصلاحات القانونية والاقتصادية المجسدة لاسيما المتعلقة ببيئة الاستثمار ، استجاب المشرع من خلال القانون رقم 22 – 07 والقانون 22-13 وقام بإنشاء محكمة تجارية متخصصة تنظر في المنازعات والمسائل ذات الطابع التجاري والاقتصادي. تجدر الاشارة أن المشرع الجزائري بالرغم من استحداث المحكمة التجارية المتخصصة وإسناد لها اختصاصا على سبيل الحصر وفقا لنص المادة 536 مكرر من القانون 08-09 والتي تتمثل في منازعات الملكية الفكرية و المنازعات المتعلقة بالشركات التجارية والمنازعات المتعلقة بالتسوية القضائية و الإفلاس، ومنازعات التأمينات المتعلقة بالنشاط التجاري، وأخيرا المنازعات المتعلقة بالتجارة الدولية، إلا أنه أبقى على القسم التجاري للمحكمة وفقا للمادة 531 ومنه والتي تنص على أنه :"يختص القسم التجاري بالنظر في المنازعات التجارية، مما مفاده أن القسم التجاري على مستوى المحكمة الابتدائية يختص في البت في المنازعات المتعلقة بالأعمال التجارية التقليدية والبسيطة، واشترط المشرع في التعديل الأخير إلزامية عرض النزاع مسبقا على الوساطة من قبل رئيس القسم التجاري وهو ما تقضي به المادة 534 من القانون 08-09، كما أنه لا تخضع الوساطة إلى قبول الأطراف خلافا لأحكام المادة 994 من ذات القانون. تتضح أهمية المحكمة التجارية المتخصصة والمكانة التي تحظى بها في النظام القضائي الجزائري في تجسدها نسبيا استقلالية القضاء التجاري عن القضاء المدني، لا سيما في شقه المتعلق بالمحاكم التجارية المتخصصة فهذا التعديل يعتبر من بين التطورات التشريعية الهامة التي عرفها النظام القضائي الجزائري في السنوات الأخيرة ، فالبحث في الجوانب الإجرائية لأي منظومة قانونية يعد ضرورة أكاديمية وعملية لما لها من تأثير مباشر على فعالية العدالة خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والتجارية المتسارعة التي يعرفها المجتمع ، من هذا المنطلق فإن مواكبة هذه التعديلات وفهم أبعادها القانونية والإجرائية يعد أمرا أساسيا لكل باحث مهتم بتطور المنظومة القانونية الجزائرية. واما الاسباب الذاتية فإن اختيارنا لهذا الموضوع ينبع من رغبة حقيقية في التعمق والبحث في مجالات القانون التجاري وخصوصا كل ما يتعلق بالمحاكم التجارية المتخصصة. وتحليلها في سياقها التشريعي والقضائي. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الإطار القانوني والتنظيمي الذي وضعه المشرع الجزائري بشأن إنشاء المحاكم التجارية المتخصصة وذلك من خلال الوقوف على الأسس التشريعية التي تحكم بنيتها واختصاصاتها النوعية والإقليمية، وتسعى الدراسة في مجملها إلى إبراز دور هذا التخصص القضائي في دعم بيئة الأعمال وترسيخ الثقة في النظام القضائي التجاري كأداة من أدوات الأمن القانوني والاقتصادي. تأسيسا على ما سبق فان المنازعات التجارية من أكثر أنواع النزاعات تعقيدا وحساسية لما لها من أثر مباشر على البيئة الاقتصادية والاستثمارية وفي ظل تنامي وزيادة حجم التعاملات التجارية وتنوع أطرافها محليا ودوليا برزت الحاجة إلى اليات قضائية قادرة على مواكبة هذا التطور من حيث السرعة والدقة والفهم العميق لمقتضيات العمل التجاري ومن هنا جاءت فكرة إنشاء محاكم تجارية متخصصة يعتمد عليها لتحقيق عدالة ناجزة تحفظ الحقوق وترسخ الثقة في النظام القضائي ورغم التوجه الإيجابي نحو التخصص القضائي في المجال التجاري تبقى الإشكالية قائمة حول مدى فعالية هذه المحاكم في أداء مهامها بكفاءة، بما يخدم تطلعات الفاعلين في المجال التجاري ويسهم في تحسين مناخ الأعمال فانطلاقا من ذلك تبرز الإشكالية الآتية : إلى أي مدى تساهم المحاكم التجارية المتخصصة في تسوية المنازعات التجارية بكفاءة وفعالية؟ الماما بمختلف الجوانب المحيطة بموضوع دور المحاكم التجارية المتخصصة في تسوية النزاعات التجارية المتخصصة وإجابة على الاشكالية المطروحة، تم الاعتماد على المنهج الوصفي الذي يعتمد في معرفة ماهية المحاكم التجارية المتخصصة ونظامها القانوني والمنهج التحليلي على اعتبار أن بحثنا يستند في المقام الأول على دراسة وتحليل النصوص-القانونية المستجدة بموجب القانون رقم 22-13 ق ام ا ومن الدراسات السابقة التي اعتمدنا عليها في إنجاز بحثنا.