ولقد ركزت على التطور الفيزيولوجي للبشر من جهة وتطور المجتمعات الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية من جهة أخرى. وبعدها حاولوا ان يصيغوا تفسيرات لارتقاء المجتمعات من مستوى معين إلى ما هو أعلى منه. ومن ثم يمكن تصنيف جميع المجتمعات الإنسانية بموجب هذا السلم التطوري. في ذات الوقت، الذي اعتبر فيه علماء التطور الاجتماعي ان المجتمع الغربي يمثل قمة الحضارة الإنسانية، من الممكن اعتبارهم تقدميين في زمنهم لأنهم ابتعدوا عن قبول تعليمات الكنيسة التي تدعي أن هذا الموقع كان طبيعيا وجزءا ثابتا ونتيجة للإرادة الالهية. ولقد أدركوا ان تنظيم علاقات النوع الاجتماعي كانت مختلفة جدا في الماضي (أي في المجتمع البدائي)، وكان السبب الرئيس لذلك هو قضية القرابة. لم يقم هؤلاء العلماء في حقل علم الإنسان بدراسات ميدانية – بل استخدموا مصادر ثانوية كتبها المبشرون وضباط الاستعمار الذين كانوا منحازين للمجتمعات التي كتبوا عنها. ويبقى علم الإنسان حتى يومنا هذا معروفا بشكل رئيسي بمنهجيته – أي البحث الميداني الذي يعتمد على "الملاحظة بالمشاركة" أي فكرة تعايش عالم الإنسان في بيئة المجتمعات "البدائية" لفترات طويلة حتى يستطيع دراستها لأنها في أكثر الأحيان لم يكن لديها لغة مكتوبة، بدأت محاولة فهم التنظيم الداخلي وهيكلية المجتمعات البدائية بحد ذاتها. 2- المفهوم الأنثروبولوجي للثقافة – ويقضي هذا المفهوم بأن جميع جوانب الحياة الإنسانية، ما عدا الجوانب البيولوجية، فالثقافة هي العامل الرئيسي الذي يفسر تنوع المجتمعات الإنسانية – فكلنا نحمل سمات مشتركة من الناحية البيولوجية الأساسية ولدينا احتياجات بيولوجية ولكننا نختلف في الطريقة التي تنظم فيها أساليب تلبية هذه الاحتياجات. الانحيازات القديمة/ والمنطلقات الجديدة في دراسة المرأة ولذلك كان الكم الأكبر من الدراسات في علم الإنسان الوصفي من إنتاج الباحثين الذكور. بغض النظر عن مدى اختلاف الظواهر السطحية. ولم تتخذ دراسة النساء في المجتمعات البدائية شكلها المميز والخاص إلا في الستينات من القرن الماضي – أي مع دخول نساء حقل علم الإنسان اللواتي بدأن بالتساؤل حول الكثير من الأعمال الوصفية لعلماء الإنسان من الذكور. وأشرن إلى الطرق المختلفة التي حصلت بها النساء على السلطة السياسية أو النفوذ في المجتمعات المختلفة. وظهرت النساء كمنتجات وتاجرات وأخصائيات في الأمور الدينية ومتخذات للقرار. وفي المقابل حاولت هذه الموجة الأولى من عالمات الإنسان ان تفسر موقع النساء في المجتمعات المختلفة حسب اعتبارات غير منحصرة بالفروق البيولوجية. ركز الاتجاه الأول على اعتبار الثقافة بأنها العامل المقرر الرئيسي لموقع النساء، فقد بحثت المجموعة الأولى في مجال المباديء الثقافية العالمية، على افتراض انه بالرغم من تنوع علاقات النوع الاجتماعي في المجتمعات البدائية، فقد مالوا اكثر إلى اعتبار النظرة التاريخية واعتبروا ان علاقات النوع الاجتماعي متأصلة في الأسلوب الإنتاجي للمجتمع. فكان وضع المرأة يُعرف عبر النظام الاقتصادي ودور النساء فيه. كانت علاقات النوع الاجتماعي والنظم الاجتماعية اكثر مساواة. التشابه والتنوع وان إحدى الطرق المعتمدة في تفسير إشكال التشابه هي تصنيف المجتمعات على أساس تكنولوجي- اقتصادي (أو حسب موارد رزقها). 1- مجتمعات الصيد والجمع 2- مجتمعات البستنة 3- المجتمعات الزراعية 4- المجتمعات الرعوية 5- المجتمعات الصناعية السؤال هو ما هي علاقة هذه التصنيفات ببعضها البعض؟ من الناحية التاريخية، والحقيقة هي ان اكثر مجتمعات الصيد والجمع كانت تعرف الزراعة ولكنها كانت تفضل عدم ممارسة العمل الزراعي وقد تحولت معظم هذه المجتمعات ضد إرادتها وذلك إما بسبب فقدانها لبيئتها نظرا للمنافسة أو بفرض من قبل المزارعين أو بسبب سيطرة المستعمرين. عليها ( نموذج مجتمع الكونج أو الفيلم بقايا شعوب الكويفا). ولقد أبيدت الكثير من مجتمعات الصيد والجمع بشكل كامل ولكن بقي بعضها حتى هذا القرن مثل الكونج والاسكيمو والابوريجينين (السكان الأصليين في استراليا). وقبل ظهور الإمبريالية كان للزراعة وقع مدمر على تنوع المجتمعات الانسانية. 1- مجتمعات الصيد والجمع (أمثلة من القراءات: نساء الكونج والمرأة الصيادة- الأغتا) كانت هذه المجتمعات تعيش على تجميع النباتات وعلى صيد الحيوانات البرية. وهي تسمى في كثير من الأحيان "مجتمعات الفرق" لأنها كانت تعتمد على العيش في مجموعات صغيرة- مكونة من 15-60 شخص، ويعني عدم وجود الملكية الخاصة عدم وجود مشكلة الحدود الجغرافية (ولذلك لا تشتبك مجتمعات الصيد والجمع بأي من أنواع القتال أو النزاعات أو الحروب) وبسبب عدم وجود أية حاجة لتقسيم الملكية أو الفائض فبقيت هذه المجتمعات صغيرة ومرنة لم تطور مكاتب أو سلطات سياسية رسمية أو تشكيلات طبقية اجتماعية هرمية. والاهم من ذلك نجد انه في جميع الحالات (ما عدا الاسكيمو) بأن نسبة الطعام الذي كانت تجمعه النساء يشكل 60-80% من احتياجات البقاء أو الكفاف – أي ان النساء كن يُنتجن اكثر الطعام. ولقد أشار علماء الإنسان بأن أهمية المكانة المتساوية للنساء بالرجال في مجتمعات الصيد والجمع لم تحقق بسبب مساهمتهن في إيجاد الرزق فقط بل بسبب مدى تحكمهن بتوزيعه أيضا، قلة الخصوبة والتباعد ما بين الولادات: فبعكس المجتمعات الزراعية لم تحتاج مجتمعات الصيد والجمع إلى الكثير من طاقة العمل البشرية (لذا كانت كثرة الأطفال تشكل عبأ على الحركة وعلى توفر الغذاء). وكانت هناك فترة بين الولادة والأخرى تصل إلى أربع سنوات. ولم تستغرق عملية حمل وتربية الأطفال الكثير من وقتهن عدم التخصص، أي أن مجتمع الصيد والجمع يعتمد بدرجة قليلة على تحديد المهام حسب الجنس – وعلى الجميع معرفة القيام بمختلف الأعمال وأن يساهموا في جميع الأعمال الضرورية. لا وجود للفصل بين الخاص والعام بسبب الحاجة للحركة المتواصلة وقلة الحاجة إلى الملكية الخاصة بالإضافة إلى الطبيعة المرنة للمجموعات، فلا يوجد المجال للتمييز بين المجالات الخاصة أو المجالات العامة. 2- مجتمعات البستنة (البمبا في زامبيا) تستعمل مجتمعات البستنة القوة البشرية (الفأس) وليس القوة الحيوانية (أي الدابة الجارة للمحراث) من اجل الإنتاج الزراعي. وهي مجتمعات شبه مستقرة إذ تمارس زراعة القطع والحرق عبر قطع الأشجار وحرقها في منطقة معينة من الأحراش، اعتمدت مجتمعات البستنة في الأساس على محاصيل الجذور ولكنها كانت تتعامل أيضا مع الصيد والجمع والتجارة. وبشكل عام، وتنظيم اكثر تعقيدا من الناحية الاجتماعية من اجل تنظيم التوزيع والإنتاج (من الأرض ومنتوجها) ومن اجل الحصول على البضائع والقدرة على توفير الفائض. بينما يقمن النساء بجميع الأعمال الأخرى المتعلقة بالإنتاج الزراعي للمحاصيل الرئيسية المطلوبة للحياة. وفي بعض الحالات قد ينتج الرجال والنساء سوية محاصيل "خاصة" من اجل التجارة بها – ولكننا لن نجد وضعا ينتج فيه الرجال محاصيل للمعيشة فقط بينما ينتجن النساء المحاصيل "الخاصة" فقط. وحسب نظام الطبقية، وحالة الصراع يمكن ان يشارك الرجال في الحروب والقتال. فان النساء ينتجن بشكل مباشر لاستهلاك أسرهن، أي يقدم دورهن الانتاجي على دورهن الإنجابي وتأخذ قوتهن الإنتاجية مكانة أعلى من توفير القوى العاملة المستقبلية. القرابة: بشكل عام يسود مجتمعات البستنة نظم خط النسب الأمومي (matri-lineal) ونظم خط النسب الأبوي (patri-lineal) ولكن هناك نسبة أعلى من النظم الأمومية بالإضافة للإقامة عند أهل الزوجة. والمنطق وراء ذلك هو إبقاء المنتجين الرئيسيين للطعام (أي النساء) سوية لأنهن يشكلن محور العائلة. وبالإضافة إلى ذلك، نجد الكثير من النشاطات التي يقوم بها كل جنس على حدا في مجتمعات البستنة، تتفاوت مجتمعات البستنة من التدرج الطبقي البسيط إلى التدرج الطبقي العالي الشبيه بالدولة. ومع اننا نجد ان النساء يتبوأن مناصب سياسية عالية عن طريق الوراثة في المجتمعات التي يوجد فيها طبقية عالية (لأنهن زوجات أو أخوات أو أمهات الزعيم) فان النتيجة العامة للطبقية هي سلبية بالنسبة للنساء ككل، وبالإضافة إلى ذلك فمن الأرجح ان يضطر الرجال إلى المشاركة في الحروب ويؤدي ذلك عادة إلى إقامة نظم تزود الذكور فيها سيطرة على النساء وتؤدي المنافسة ضمن الهيكلية الهرمية إلى اتخاذ الرجال مواقع مسيطرة على عمل المرأة الإنتاجي والانجابي. فتحضير الطعام ونشاطات بيتية أخرى باتت تتطلب الكثير من الوقت. 3- المجتمعات الزراعية (مثل مجتمع البلقان الزراعي) ومرة أخرى نجد الكثير من التنوع وفيما يلي بعض النقاط المتعلقة بمكانة المرأة: - للرجال الدور الأكبر في الإنتاج الزراعي بشكل عام - يُنظر إلى النساء على أنهن "مساعدات للرجال" في الإنتاج وان دورهن الرئيس هو دور إنجابي (أي العمل البيتي وتربية الأطفال) - لديهن سيطرة متدنية جدا على توزيع الإنتاج – ويُنظر إلى عملهن على انه ملكية أزواجهن وأسرهن. - بالمقارنة مع مجتمعات الصيد والجمع، - إن أغلبية المجتمعات الزراعية ذات خط نسب أبوي وأبوية الإقامة أي ان النساء يدخلن "كغريبات" إلى بيوت أزواجهن. - حقوق المرأة في الملكية محدودة فلا يمكن الوصول للملكية والسيطرة عليها إلا خلال أزواجهن - يشكل سن المرأة وإنتاجها للأبناء (الذكور) عاملا حاسما في مكانتها في المجتمعات الزراعية. تكون مكانة النساء أعلى ومقدرتهن على الحركة أكبر وحقوقهن في ملكية الموارد الإنتاجية اكبر.