ابن سلام: أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن سالم الجمحي البصري، نشأ في بيت علم ذائع الصيت، فأبوه سلام بن عبيد الله الجمحي روى عنه ـ في أكثر من موضع ـ في كتاب «الطبقات»، ومن تلامذته مسلم وأبو زرعة وأبو حاتم. تنعته كتب التراجم بالإخباري والرواية، جمع الأستاذ محمود محمد شاكر ـ محقق الطبقات ـ شيوخه الذين ذكرهم في الكتاب نفسه، وكان منهم أبو زيد الأنصاري والأصمعي وخلف الأحمر وأبو عبيدة ويونس ابن حبيب وبشار بن برد. أما تلامذته الذين رووا عنه فمنهم أحمد بن يحيى ثعلب، وأبو حاتم السجستاني، وأحمد بن حنبل وابنه عبد الله، وأبو العباس أحمد بن علي الأبار، وأبو خليفة الجمحي، ومحمد بن حاتم الزمي، وأهمية الدور الذي قام به في كل من البصرة وبغداد لفائدة الأدب والعلم بهما على السواء. لم تدل بلد من البلدان على أن الحياة العقلية لأمة ما شديدة التأثر بالأوضاع الاجتماعية والسياسية لهذه الأمة مرتبطة بها متفاعلة معها كما دلت على ذلك العراق في توديعها للحكم الأموي، وحينما انضم إلى الدولة الإسلامية لم تحاول هذه أن تقضي على هذا النشاط، وإن عملت على توجيهه الوجهة التي لا تعارض ـ بل تخدم ـ المبادئ العامة التي انبثقت من تعاليم الدين الجديد للدولة الفتية. على أن العقلية الإسلامية لم تكتف بهذا التأثير، وما أن يتم الانقلاب العباسي حتى يأخذ سلطان هذه المواريث سبيله إلى الاستقرار والرسوخ، هادفا نحو الملائمة بين كل من الاتجاه العقلي والاتجاه السياسي. وكانت البصرة خاصة ـ موطن ابن سلام ـ من أهم المواطن التي اتخذت فيها هذه المواريث الثقافية والعقلية مكانا ممتازا، فأنتجت من الآثار العقلية ما هو جدير بأن يجعل هذه المدينة من أخطر المدن أثرا في تاريخ العقل الإسلامي خاصة، في هذه المدينة ـ البصيرة ـ نشأ ابن سلام نشأته الأولى، ومنها انتقل من بعد إلى دار السلام ـ بغداد العاصمة ـ حيث مكث بها بقية عمره المديد الذي نحوا من ثلاثة وتسعين عاما قضاها متعلما معلما، ألف فيها من الكتب ـ نقلا عن ابن النديم في الفهرست ـ كتاب الفاصل في ملح الأخبار والأشعار، وكتاب الحلاب وأجر الخيل، ولكن أهم كتبه جميعا هو كتاب الطبقات الذي به اشتهر، ولتحديد الشروط الضرورية في كل من النقد والناقد طبع كتاب الطبقات أول مرة سنة 1913 ـ 1916 م حيث نشره وقدم له بالألمانية يوسف هل، ولكن أفضلها جميعا هي الطبعة الجديدة بتحقيق الأستاذ الشيخ محمود محمد شاكر.