قد يكون للتقدم العلمي في مجال البيولوجيا البشرية قريباً تأثير عميق في السياسات التي تتبعها الحكومات والمنظمات تجاه الأمهات الشابات ومقدمي الرعاية والأطفال في المجتمعات الفقيرة والمجهدة، إن "الإجهاد الضار"، الذي يرسم دورة لا هوادة فيها من التوتر الذي يعاني من الطفل الذي يكافح والداه من أجل البقاء، ويكونان فيها غير قادرين على رعايته بشكل صحيح، يمكن أن يؤدي إلى تنميط سلبي لعقل الطفل، من جيل إلى جيل . اختصاصي البيولوجيا العصبية في جامعة كيب تاون: "لقد عرفنا منذ وقت طويل أن مرحلة الطفولة المبكرة مهمة للغاية، ففي حين تميل السياسات التعليمية إلى تأكيد أهمية السنوات الأولى من الدراسة، يقترح هذا العلم الجديد أن الإطار الزمني الممتد من الولادة إلى سن ثلاث سنوات يمكن أن يكون الفترة الأكثر فعالية من حيث التكلفة والحسم في التدخل في حياة الطفل . ويظهر البحث الذي تم إجراؤه على الفئران المخبرية أن الفئران الوليدة التي لم يتم لعقها وتنظيفها بشكل صحيح، ويساعد هذا على تفسير كيف أن دائرة الفقر والحرمان يمكن أن تزداد قوة من جيل إلى جيل . لا يعارض العاملون في الميدان النتائج الحديثة . والخبير في مجال صحة وتنمية الطفل، إن "نوعية الأساس الذي نبنيه في أول عامين لا تحدد كل ما سوف يأتي في وقت لاحق بالكامل، وأكد شونكوف خلال المقابلة أن العلم الجديد يؤدي إلى فهم أعمق للأسباب التي تجعل سوء التغذية يتسبب في كل هذا القدر من المشكلات في مرحلة الطفولة المبكرة "ليس لأن الأطفال لا ينمون بشكل جيد فقط، "إنها مسألة تتعلق بمعرفة كيفية حماية أدمغتهم النامية من الإجهاد - الإجهاد الضار - المرتبط بالتعرض المزمن للعنف والفقر المدقع والإجهاد اليومي الناتج عن تدبر أمورهم بشق الأنفس" . وهو اختصاصي علم النفس في مدرسة ستاينهارت للثقافة والتعليم والتنمية البشرية التابعة لجامعة نيويورك، وقال أيبر إن "صناع القرار في السابق لم يعتقدوا أن الأطفال الصغار سيتأثرون إلى هذه الدرجة لأنهم لا يتحدثون في هذا العمر أو لا يبدو أنهم على علم بما يجري . "إن معرفتنا بما يحدث داخل عقل الطفل يجب أن يوجه اهتمامنا إلى الخارج - نحو البيئة - وإلى الحد من الفقر والعنف . كما يمكن أن يؤثر التعرض لهذه السلبيات في وقت لاحق في الحياة على نمو الطفل، ولكن ما هو تشخيص العدد الذي لا يحصى من الأطفال الذين سبق أن تعرضوا للإجهاد الضار؟ يبدو أن العلم يشير إلى أن الضرر في وقت مبكر لا رجعة فيه . ويمكننا أن نساعدهم على التعافي من الإجهاد الضار الذي يواجهونه في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة" . استشهد مورغان بالأبحاث التي أجريت على أطفال في مؤسسات رومانية والتي تبين أهمية توقيت مواجهة آثار الإجهاد . ولكن التشخيص كان أقل تفاؤلاً بالنسبة لأولئك الذين تم تبنيهم بعد بلوغهم 20 شهراً من العمر . وهناك أيضاً فرضية "الهندباء" و"زهرة الأوركيد" التي تشير إلى أن بعض الأطفال (الهندباء) لديهم استعداد وراثي أقل للتأثر - سلباً أو إيجاباً - ببيئتهم من الآخرين الأكثر حساسية (زهرة الأوركيد) . وفي حين يوجد وعي متزايد حول الحاجة للاستثمار في الأطفال قبل وقت طويل من دخولهم المدرسة، لا يعتقد أيبر أن الجميع على استعداد لاتخاذ الإجراءات المناسبة . وعلى الإنتاجية الوطنية في نهاية المطاف" . يستشهد أيبر بفوائد نظام "التحويلات النقدية المشروطة" في جهود تخفيف حدة الفقر في أمريكا اللاتينية وعلى نحو متزايد، ويقول: "هذه المدفوعات النقدية للأسر الفقيرة جداً مشروطة باستثمار الأسرة في تنمية الطفل، وتشجع هذه البرامج الأمهات على حضور دروس ما قبل الولادة وتطعيم الرضع وإرسال أطفالهم إلى المدرسة، على سبيل المثال . كما يمكن تبنيها للمساعدة على الحد من آثار الفقر والعنف . وقد ثبت أن زيارة العاملين في مجال الصحة للأمهات الجديدات تؤدي إلى تحسين الممارسات الأبوية في خايليتشا في جنوب إفريقيا، على سبيل المثال . ويمكن للبرامج التي تساعد الآباء والأمهات على فهم مخاطر تعريض أطفالهم الصغار للإجهاد الضار، وإنه "لا بد للنظام بأكمله التصدي لهذا الأمر على مستوى سكاني واسع" . يفسر مورغان كيف تضيف بعض الإشارات من البيئة "علامات فوق جينية" دائمة على الحمض النووي خلال فترات حساسة من النمو المبكر للدماغ - قبل وبعد الولادة على حد سواء . إلا أن أول عامين أو ثلاثة في حياة الطفل تعد حاسمة في اكتسابه لمهارات التنظيم الذاتي العاطفية التي تصنع الفرق بين الفشل والنجاح لاحقاً في الحياة . وقد أظهرت الأبحاث الرائدة التي كتبها الكندي مايكل ميني منذ عدة سنوات عن الفئران المخبرية أن كمية لعق وتنظيف الفئران الوليدة في الأيام الأولى من حياتها تحدد استجاباتها للإجهاد . وكانت الفئران التي تلقت الحد الأدنى من اللعق والتنظيف معدة للنجاة في بيئتها عن طريق استجابة "الهروب أو القتال" من خلال وجود علامات فوق جينية أكثر على جين الإجهاد الرئيسي في الدماغ . وظهر عدد أقل من هذه العلامات على الفئران الوليدة التي تم لعقها وتنظيفها بشكل كاف، سواء من قبل والدتها البيولوجية أو أم بديلة، مما جعلها مقاومة للإجهاد ومستعدة للنجاح . كما أظهرت الدراسات التي أجريت على البشر في وقت لاحق، أن عدداً أكبر من العلامات فوق الجينية ظهرت على أدمغة ضحايا الانتحار، مماثلة لتلك التي ظهرت على الفئران الوليدة التي عانت سوء الرعاية . الناتجة عن الرعاية الأبوية، والأمر الحاسم هو أن العلامات فوق الجينية تعوق تنمية وظائف المخ الأكثر تطوراً ومرونة "من أعلى إلى أسفل" والمقترنة بالتنظيم الذاتي القوي والقدرة على الازدهار، "من أسفل إلى أعلى" . وأضاف مورغان أنه اتضح أن الأطفال الذين يعانون سوء التنظيم الذاتي يصبحون من البالغين الذين يعانون "معدلات أعلى بكثير من الإدمان والإجرام والمشكلات المالية والانفصال عن الأزواج بعد ولادة الأطفال، وأشار أيضاً إلى أن "علم الأعصاب المتعدد التخصصات بدأ في الأونة الأخيرة فقط يكشف ويميز وطأة الفقر المزمن على أنها السم البيئي الرئيسي الذي يصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج البيولوجي للأجساد والعقول بطرق تؤدي إلى شلل النمو الصحي" . ويرى مورغان أنه من الواضح الآن أن الجينات والبيئة تشكلان كلاً لا يتجزأ . وقد تبين أن الطبيعة مقابل التنشئة تحولت إلى الطبيعة والتنشئة" .