بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله . أنا أكتب وأخطب من ستين سنة، فما قدر لمقالتين نشرتهما من الذيوع ما قدر لهاتين المقالتين، أسأل الله دوام الصحة وحسن الخاتمة وأن يجزي خيراً من يمد يديه من القراء ويقول : آمين . طبعت مقالة (يا بنتي) ستاً وأربعين طبعة علمت بها، ولعلها طبعت غيرها ولم أعلم بها، فقد أبحت لمن يشاء أن يطبعها على أن يوزعها بالمجان أو بالربح القليل . ونحن نهاجم اليوم من طريقين : طريق الشبهات، وطريق الشهوات والأول مرض أشد خطراً وأكبر ضرراً، ولكنه بطيء السريان فليس كل من تلقى إليه شبهة يقبلها، ولكن كل من تثار له من الشباب شهوة يستجيب لها، فهو مرض سريع الانتشار كثير العدوى، وإن كان يُضني ولا يفني ويؤذي ولا يميت والأول كفر وهذا يوصل إلى الفسق . وقد كتبت بعدها وحاضرت وأذعت وحدثت كثيراً كثيراً، ولكن بقي لهذه المقالة بفضل الله أثرها في نفس قارئها وقارئتها، وطبعت في الشام وصارت ملكاً للقراء فكيف أبدل فيها؟ أنا رجل يمشي إلى الخمسين (۱)، قد فارق الشباب وودع أحلامه وأوهامه، ثم إني سحت في البلدان، وخبرت الدنيا، فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي، وملت الألسنة، بل إن المنكرات لتزداد، 1) كان ذلك يوم كتابة المقالة، والسفور والحسور والتكشف تقوى شرته، وتتسع دائرته، وفيها الغلو في حفظ الأعراض، قد خرج نساؤها سافرات حاسرات كاشفات السواعد . . ما نجحنا وما أظن أننا سننجح. أتدرين لماذا؟ ولم نعرف طريقه. إن باب الإصلاح أمامك أنت يا بنتي، فإذا آمنت بوجوده، صحيح أن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق الإثم، لا تخطوها المرأة أبداً، ولكن لولا رضاك ما أقدم، صرخت : أغيثوني يا ناس، سرقت . لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص. وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة، يريد منك أعز شيء عليك : عفافك الذي به تشرفين، وبه تفخرين و به تعيشين وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها أشد عليها بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها . إي والله ، وما رأى شاب فتاة إلا جردها بخياله من ثيابها ثم تصورها بلا ثياب . إي والله، أخلف لك مرة ثانية، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم، لسمعت مهولاً مرعباً، وما يبسم لك الشاب بسمة، ولا يلين لك كلمة، ولا يقدم لك خدمة، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد، تمهيد . وماذا بعد ؟ ماذا يا بنت؟ فكري . تشتركان في لذة ساعة، وينوء بك (1) أنت ثقل الحمل في بطنك، والهم في نفسك، يغفر له هذا المجتمع الظالم، ويقول: شاب ضل ثم تاب، 1) هذا هو التعبير الأفصح . قال تعالى : ( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ) . وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة، ولو أنك إذ لقيته نصبت له صدرك، وزويت عنه بصرك، وأريته الحزم والإعراض . يصرفه عنك هذا الصد، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد نزعت حذاءك من رجلك ونزلت به على رأسه لو أنك فعلت هذا، ولما كان صالحاً - تائباً مستغفراً، يسأل الصلة بالحلال، جاءك يطلب الزواج . لا تجد البنت أملها الأكبر وسعادتها إلا في الزواج، سواء في ذلك الملكات والأميرات وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع ١٥ كثيرات من النساء. وأنا أعرف أديبتين كبيرتين في مصر والشام أديبتين حقاً، جمع لهما المال والمجد الأدبي، ولكنهما فقدتا الزوج فقدتا العقل وصارتا مجنونتين ولا تحرجيني بسؤالي عن الأسماء إنها معروفة !! . وصاحبة السلطان والفاسقة المستهترة لا يتزوجها أحد. حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج، وأم بنته امرأة ساقطة ! . والرجل وإن كان فاسقاً داعراً، إذا لم يجد في سوق اللذات بنتاً ترضى أن تريق كرامتها على قدميه، إذ لم يجد البنت الفاسقة أو البنت المغفلة، التي تشاركه في الزواج على دين إبليس، طلب من تكون زوجته على سنة الإسلام. على دين إبليس وشريعة القطط في شباط، . . فلماذا لا تعملن، لماذا لا تعمل شریفات النساء على محاربة هذا البلاء؟ أنتن أولى به وأقدر عليه منا، لأنكن أعرف بلسان المرأة، وطرق إفهامها، في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن تر الزواج لا يجدن زوجاً، ولعل مثل هذا في غير الشام أيضاً . فألفن جماعات منكن من الأديبات والمتعلمات ومدرسات المدرسة وطالبات الجامعة تعيد ۱۷ خوفنَهنَّ الله ، كُنَّ لا يَخَفْنه، فحذرنهن المرض، فإن كن لا قلن لهن : ويحومون حولكن، ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال؟ ومتى دام في الدنيا شيء حتى يدوم الوجوه ؟! من يهتم يومئذ بكن؟ ومن يسأل عنكن؟ وبناتها، هنالك تكون العجوز ملكة في رعيتها، ) - - أنتن أعرف بما تكون !)۱( عليه ۱) رأيت في بروكسل عند ملتقى طريقين، وقد فتح الطريق للمارة، عجوزاً لا تحملها ساقاها. ۱۸ فهل تساوي هذه اللذة تلك الآلام ؟ وهل تشتري وأمثال هذا الكلام لا تحتجن إلى من يدلكن عليه، ولا تعد من وسيلة إلى هداية أخواتكن المسكينات الضالات، *** وأنا لا أطلب منكن أن تعدن بالمرأة المسلمة اليوم بوثبة واحدة إلى مثل ما كانت عليه المرأة ولا يمسك أحد بيدها، فقلت لمن كان معي من الشباب : ليذهب أحدكم فليساعدها، الأستاذ نديم ظبيان. وهو مقيم في بروكسل من أكثر من أربعين سنة، أتدري أن هذه العجوز كانت يوماً جميلة البلدة، وفتنة جمالها، المسلمة حقاً، وإني لأعلم أن الطفرة مستحيلة في العادة (١)، ولكن أن ترجعن إلى الخير خطوة خطوة، كما أقبلتن على الشر خطوة خطوة، إنكن قصرتن الثياب شعرة شعرة، ورققتن الحجاب وصبرتن الدهر الأطول تعملن لهذا الانتقال والرجل الفاضل لا يشعر به، والمجلات الداعرة تحث عليه، حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الإسلام، ولم يعملها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ، إلى حال تأباها الحيوانات . والضحى مشرق وضاح، ولكن الله ما نقلنا من الظلام إلى النور في لحظة، بل هو يولج النهار في الليل، ولكن عُد إليه بعد ساعتين تره قد مشى، وكذلك ينتقل الإنسان من الطفولة إلى الصبا، ومن الشباب إلى الشيخوخة، وكذلك يكون تبدل الأمم وتحولها من حال إلى حال. ۲۰ إن الديكين إذا اجتمعا على الدجاجة اقتتلا وعلى الشواطىء في الإسكندرية وبيروت رجال مسلمون، على نسائهم المسلمات أن يراهن الأجنبي، لا أن يرى وجوههن . ولا بل كل شيء فيهن !! كل شيء إلا الشيء الذي يقبح مرآه ويجمل ستره، وهو حلقتا العورتين، وحلمتا الثديين (۱) . وفي النوادي والسهرات (التقدمية) الراقية رجال مسلمون يقدمون نساءهم المسلمات للأجنبي ليراقصهن، يضمهن حتى يلامس الصدر الصدر والبطن البطن والفم الخد، والذراع ملتوية على الجسد، ولا ينكر ذلك أحد، وفي الجامعات المسلمة شباب مسلمون يجالسون بنات ۱) وقد بلغنا أنهن كشفن عن هذا أخيراً، فبدا الصدر كله عارياً . ۲۱ مسلمات متكشفات باديات العورات، ولا بوثبة عاجلة، من الطريق الذي وصلنا منه إلى الباطل، ولو وجدناه الآن طويلا ، وأن نبدأ بمحاربة ) الاختلاط، والاختلاط غير السفور، إن كان لا يتحقق بكشفه الضرر على الفتاة والعدوان على عفافها فأمره أسهل، ولعله أهون من ستر للمعايب وتجسيم للجمال، السفور إن اقتصر على الوجه كما خلق الله الستر أحسن وأولى، أما الاختلاط فشيء آخر، وليس يلزم من السفور أن تختلط الفتاة بغير محارمها،