إني لأعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني، وكنت في زمن شعاره الطاعة، وعلى المعلمين وعلى أولي الأمر — وتعلمت أول أمري في كُتَّاب حقير، ويمرن يده بالعصا فينا كما تمرنون أيديكم على الألعاب الرياضية. وكنت أعيش في كتَّابي على الفول النابت والفول المدمس، وأنت تعيش في روضتك على اللبن والشاي والبسكويت وما إلى ذلك أيضًا. - ثم لما صبوت تعلمت في المدارس الفرنسية حيث تنقل إليك في تعاليمها كل أساليب المدنية الغربية — وتربيت أنا في وسط كله دين — دين في الكتب ودين في الحياة الاجتماعية ودين في أوساطي كلها. وتربيت أنت في مدارس أو جامعات لا يذكر فيها الدين إلا بمناسبات. وكان يذكر الدين في وسطنا دائمًا ليحترم، وكثيرًا ما يذكر الدين في وسطك ليهاجَم. ولا يعرف فتاة إلا أن تكون قريبة، ونشأت أنت في وسط تجالسك الفتاة في جامعتك وتشاهدها في أوساطك وقد أخذت من الحرية مثل ما أخذت؛ ولو عددت لك الفروق بيني وبينك، ولا يزال بيني وبينك وجوه شبه أعمق من هذه المظاهر، فالتغيرات بين الناس مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة تغيرات سطحية وأمور عرضية؛ ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد الخلف.