من حكمة الله في خلقه أنه خلق عباده مختلفين في طباعهم والوانهم ولغاتهم و اولهم ونكانهم وأموالهم: « ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم » ، فهذه العقول المختلفة والأفهام المتباينة كيف تجتمع وتلتقي؟ جاء في الكتاب والسنة الدعوة إلى لغة الحوار والحكمة والدعوة بالتي هي أحسن ، حتى في مقام الدعوة امرنا الله بقوله : « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ». وعلمنا الإسلام حسن الاستماع للآخرين حتى ولو كانوا على الباطل ، وإقامة الحجة عليهم بالدليل القاطع والبرهان الساطع ، فالحق تعرفه الفطرة النقية و تقبله العقول السوية. ونحن مع صورة رائعة من صور الدعوة تقوم على الحوار والمناظرة و إقامة الحجة بالحكمة والموعظة الحسنة ، إننا أمام حوار إبراهيم عليه السلام مع قومه ، وكيف حرك فيهم العقول النظر والتأمل للخروج بنتيجة يصدقها العقل السليم وتقبلها الفطرة السنوية وفي ذلك تعالى : « وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأي كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا أحب الأفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين » . ما أحوجنا إلى الحوار في حياتنا بدل لغة التهديد والوعيد ، ما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة والنبرة الهادفة ، ونمارسه بآدابه وأخلاقه بين الأزواج والزوجات ، ومن الناس من يفهم الحوار على أنه إملاء الرأي وفرضه بالقوة ، وقد ذكر القرآن مثالا لنوعية الحوار المثمر في مقابل فرض الرأي: فرعون ما تحاور مع أحد من قومه ، بل قال لهم : « ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد » ، فكانت النتيجة أن هلك هو وجنوده . أما بلقيس فإنها تشاورت مع قومها وقالت : « ما کنت قاطعة أثر حتى تشهدون » ،