ذكر سلطنة يمين الدولة محمود بن سبكتكين وهو أول من لقب بالسلطان، قال: ولم يبلغ خبر وفاة والده كان بنيسابور، فجلس للعزاء، ويذكر له ما يتعين من تقديم الكبير، وإنفاذ ما يخص من ميراث أبيه، فلم يفعل. وترددت الرسائل بينهما، فلم تستقر قاعدة، فسار محمود من نيسابور إلى هراة (1) فتبعه، وأعانه، وسار إلى غزنة، وكان الأمراء الذين مع إسماعيل قد كاتبوا أخاه محمودا يستدعيه، واقتتلا قتالًا شديدًا، فانهزم إسماعيل، واستقام له الممالك، وعظم قدرته، وأطاع العساكر ذکر استيلاء يمين الدولة محمود على خراسان واقتتلوا قتالاً شديدا، فانهزم السامانية، فلحق عبد الملك، وفائق ببخاري، ثم قصد نواحي جرجان، فأرسل محمود خلفه أرسلان الجاذب فاتبعه حتى ألحقه بجرجان، وعاد فاستخلفه محمود على طوس ، وخطب بها للقادر بالله، وجعله بنيسابور، وهي مستقر ملك أبيه، واتخذها دار ملك، واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته كال قريغون أصحاب الجَوْزَجَان (۳). فسار يمين الدولة نحو خلف بن أحمد أبو طاهر، فحاصره، وضيق عليه، فبذل الأموال، فأجابه إلى ما طلب، ذكر غزوة الهند لا وفي المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة أحب يمين الدولة أن يغزو الهند ويجعل ذلك كفارة لقتاله مع المسلمين، فسار ونزل على مدينة برشور، والتقى هو وجيبال ملك الهند، واقتتلوا إلى نصف النهار، فانهزم الهند، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وغنم المسلمون أموالهم وجواهرهم، وأخذ من عنق جيبال قلادة من الجوهر قومت بمائتي ألف دينار، وفتح كثيرًا من بلاد الهند، فأدى جيبال المال، ومن عادة الهنود أنه من حصل منهم في أيدي المسلمين أسيرًا لم يُعقد له بعدها رئاسة، وألقى نفسه في النار، فاحترق. فحاصرها، ثم بلغه أن طائفة من الهند اجتمعوا في شعاب تلك الجبال، فجهز إليهم من عساكره من قتلهم، وانتزعها من خلف ابن أحمد؛ وانقطع للاشتغال بالعلم، فأخذ أبوه يلاطفه، فزاره ابنه طاهر فقبض عليه، وسجنه إلى أن مات في سجنه، فتغير العسكر لذلك، وكاتبوا يمين الدولة في تسليم سجستان إليه، وقصد خلفًا، وهو في حصن الطاق (۳)، وهذا الحصن له سبعة أسوار محكمة يحيط بها خندق عريض لا يعبر إليهاإلى مكرمة، ثم بلغ يمين الدولة أنه كاتب إيلك خان ملك ما وارء النهر يحثه على قصد يمين الدولة، فنقله إلى جردين (۱)، فسلم محمود جميع ما خلفه إلى ولد أبي حفص، ثم أقطعها لأخيها نصر بن سبكتكين إلى نيسابور. والله أعلم. ذكر غزوة بهاطية، وملكها وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة غزا يمين الدولة بهاطيه من أعمال الهند وهي وراء المولتان (۲)، وصاحبها بإجراء. ثم ظهر، وانهزم في اليوم الرابع وقصد المدينة، فسبقه المسلمون إلى بابها وملكوها، وأقام يمين الدولة بهاطية حتى أصلح أحوالها، وعاد عنها بعد أن تركها من يثق به، ومن يعلم من أسلم شرائع الإسلام، وزيادة الأنهار، ذكر غزوة المولتان وأنه أهل ولايته إلى ذلك، فأجابوه، قال: ثم سار إلى قلعة كواكير، وكان صاحبها يعرف ببيدا، فهرب أصحابها إلى قلعته المعروفة بك النجار)، فسار خلفه إليها، وهي حصن عظيم يسع خمسمائة ألف إنسان، وفيه خمسمائة فيل وعشرة آلاف دابّة، ورأى في الطريق وادي عظيم العمق البعيد القعر، فراسله صاحبها في الصلحفا ممتنعًا عليه، ثم بلغ عن خراسان خلافًا بسبب قصد إيلك خان، فصالحه على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف من (٥) من الفضة، فلم يعفه، فجاءه منهم خلق كثير ، فسار بهم إلى نحو بلخ، فقاتله التركمان، ثم سار نحو أبيورد، فوصل إلى جرجان، ثم عاد إلى خراسان، وجماعة من قواده، ونجا هو في بعض أصحابه، وانهزم من كان يبلغ مع جعفر تكين، ذكر انهزام إيلك خان من يمين الدولة واستعان به، فاستنفر الترك من أقاصي بلادها، واجتمع هو وإيلك خان فعبروا النهر، وهو بطخارستان، وجمعالترك الغزية والخلج والهند والأفغانية والغزنوية، وقدم إيلك خان، ونزلوا بإزائه، فلما كان الغد برز بعضهم لبعض، فاعتزل يمين الدولة على نشز (۱) مرتفع ينظر إلى الحرب، وسأل النصر والظفر، ثم حمل بفيلته على قلب عسكر إيلك خان، وتبعهم أصحاب يمين الدولة يقتلون، ويأسرون، ويغنمون إلى أن عبروا النهر وأكثر الشراء القول في تهنئة يمين الدولة بهذا الفتح، وذلك في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. قال : ولما فرغ يمين الدولة من حرب الترك بلغه أن بعض أولاد ملوك الهند واسمه نواسد شاه، وكان قد أسلم على يد يمين الدولة، واستخلفه على بعض ما افتتحه من بلادهم ارتد عن الإسلام، وعاد إلى الكفر، واستخلف عليها بعض أصحابه، ذكر غزوة بهيم نغز وما غنمه من الأموال وغيرها وفي سنة ثماني وتسعين وثلاثمائة استعدوا لغزو الهند وساروا في شهر ربيع الآخر من السنة، فانتهى إلى شاطيء نهر ويهند فلاقاه هناك ابرهمن نال بن انديال في جيوش الهند فاقتتلوا مليا من النهار، وكادت الهند تظفر بالمسلمين، ثم كان الظفر للمسلمين فانهزم الهند في أعقابهم، وحصلوا على السيف، وتبعوا يمين الدولة الملك حتى بلغ بهيم نغر، وهي على جبل عال كان الهند قد جعلتها خزانة لصنمهم الأعظم، فينقلون إلى أنواع الذخائر قرنا بعد قرن، وهم يرون ذلك تقربا لآلهتهم وعبادة، وحصرها، فلما رأى الهنود كثرة جموعه وشدة قتاله جبنوا، وطلبوا الأمان، ومن الدرهم تسعين ألف درهم شاهية، فأخذ جميع ما فيه إلى غير ذلك من الأمتعة، ففرش الجواهر في صحنه، فشاهدوا ما لم يسمعوا بمثله. وفي سنة أربعمائة غزاة يمين الدولة الهند وأحرقها واستباحها، ونكس أصنامها، فلما رأى ملك الهند أنه لا قوة له إلى به في الصلح والهدنة على مال يؤديه إلى وخمسين فيلا، وهي جبال منيعة ومضايق، وكان أهلها قد كثر فسادهم، يقطعون الطريق ويخيفون السبيل، فأنف يمين الدولة من ذلك، فسار إليهم في سنة إحدى وأربعمائة، وقاتلهم أشد قتال، فبرز من المدينة في عشرة آلاف قاتل فقاتلهم إلى أن انتصف النهار، فأمر يمين الدولة أن ينهزم المسلمون، وبدأوا فيهم السيف، وملك المدينة، وأسر ابن سورى، وأظهر يمين الدولة شعائر الإسلام في بلا ٢٩ الفن، وجعل عندهم من يعلمهم شعائر الإسلام وشرائعهم. فقطع مفازة (1) رمل، وسهلعليهم سلوك الرمل، فوصلوا إلى الكفار ومعهم ستمائة فيل، فقاتلهم أشد قتال كان الظفر فيه للمسلمين، وحصل غنائمهم وعاد سالما. ذكر ملكه قصدار وفي سنة اثنتين وأربعمائة ملك يمين الدولة قصدار. والسبب في ذلك أن ملكها كان قد صالحه على قطيعة (٢) في سنة تؤدي بها إلى يمين الدولة، ثم قطعها اغترارا بحصانة بلده، وكثرة المضايقة في الطريق إليه، واحتلال بإيلك خان، فلما فسد ما بينهما سار في جمادى الأولى من السنة، فلما شعرت صاحبها إلا وعسكر يمين الدولة قد أحاط به ليلاً، ولما كان قد اجتمع عنده من المال، وأقره على ولايته وعاد وفي سنة ثلاث وأربعمائة كانت وفاة إيلك خان، فلما مات طغان خان يمين الدولة، وتصالح، ذکر فتح ناردين فسار شهرين حتى قارب مقصوده، فسمع عظيم الهند إلى فجمع، وبرز إلى جبل صعب المرتقى، فاجتمع إليه كل من حمل السلاح، فكتب له ولقب نظام الدين. فزع على غزوه، فأمر يمين الدولة شجعان عسكره بعبورذكر قتل خوارزمية شاه وملك يمين الدولة خوارزمية والسبب أنه كان قد ملك خوارزم (۱) جرجانية، وحضر عند يمين الدولة، وتزوج أخته، ثم بعث إلى يمين الدولة أن يخطب له على منابر الأجهزة، فأجابه إلى ذلك، واستشار أمراءه، وامتنعوا منه، وتوعدوه بالقتل إن فعل، وأخبره بما شاهده، ثم خاف الأمراء فقتلوه غيلة، ولم يعلم قاتله، وأجلسوا أحد أولاده مكانه وتعاهدوا على القتال يمين الدولة إن قصدهم، فجمع العساكر، فثبت الخوارزمية إلى نصفها ثم انهزموا، فأخذهم السيف، وجمع من أسرهم وسيئهم إلى أجهزة بالهند، وملك يمين الدولة خوارزم، واستناب بها حاجبه التونتاش ذكر غزوة تشمير وقنوجو وغيرهما من الهند ۲) وفي سنة سبع وأربعمائة أيضًا بعد فراغ يمين الدولة من خوارزم سار إلى غزنة، واجتمع له من المتطوع (٢) من بلاد ما وراء النهر وغيره نحو عشرين ألف مقاتل، وعبر نهر سيحون، وجيلم وهما نهران عميقان شديد الجريان، ووطأة أرض الهند وأنته رسل ملوكها بالطاعة، فلما بلغ درب كشمير أتاه صاحبها وأسلم على يده، وسار بين يدي إلى مقصوده، فبلغ ماء جون في العشرين من شهر رجب، حتى بلغ حصن هؤدب، فرأى من العساكر ما هاله، فعلم أنه لا ينجيه إلا الإسلام، فنزل في نحو عشرة آلاف ينادون بكلمة الإخلاص، وهو من أعيان الهند، فلم يشعروا به إلا وهو معهم، فانهزموا وحصلوا على السيف منهم، ولقوا نهرًا عميقًا، فاقتحموه فغرق أكثرهم، فكانت الجريمة والغرقى قريبًا من خمسين ألفًا. وعمد كلجند إلى زوجته، فقتلها ثم قتل نفسه، وأحرق الباقي، فوصل إلى شعب، فرأى صاحبها قد فارقها وعبر النهر المعروف بنهر الكنك (٢)، وفيها قريبة من عشرة آلاف بيت صانم تمسك أنها عملت من مائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف سنة كذبًا منها. ولما افتتحت أباحها عسكره. واستسلموا للقتل، فقتلوا، ولم ينج منهم إلا قليلاً، ثم سار نحو قلعة آسي (3) وأصحابها جنداري، فأخذ قاربه وفيلته إلى جبال هناك منيعة، فنازل يمين الدولة حصنه وافتتحه، وأسر كثيرًا منهم، فبنى بها الجامع الذي لم يسمع بمثله، وفي سنة ثماني وأربعمائة خرج من الصين، فطمعوا في البلاد، وساروا من الصين في عدد يزيد على ثلاثمائة ألف خركاه من أجناس الترك منهم الخطا الذين ملكوا ما وراء النهر، فساروا إلى أن قربوا من بلا ساغون (4)، وبقي بينهم وبينها ثمانية أيام واستولواعلى أطراف البلاد، فسأل طغان خان الله تعالى أن يعافيه لينتقم منهم، ويحمي البلاد، ثم يفعل به ما يشاء، فعافاه الله تعالى، فسار خلفهم نحو ثلاثة أشهر، فكبسهم، وقتل منهم زيادة على مائتي ألف رجل وأسر نحو مائة ألف، وغنم من الدواب، والأواني الذهبية والفضية، وكان عادلاً خيرا دينا يحب العلم وأهلة، ويميل لأهل الدين، وكاتب يمين الدولة يستنجده على أرسلان، فعقد يمين الدولة على نهر جيحون (۱) جسرًا من السفن، وضبطه بالسلاسل وعبر عليه، ولم تكن تعرف الجسور قبل ذلك هناك، فلما عبر النهر اتفق قدر خان وأرسلان خان وتعاقدا على قصد بلاد يمين الدولة واقتسامها، وسار قدر خان وأرسلان خان إلى بلخ والتقوا بيمين الدولة واقتتلوا قتالاً شديدًا كان الظفر فيه ليمين الدولة عليهما، ذكر أخبار قدر خان وأولاده كان قدر خان يوسف بن بغرا خان هارون بن سليمان عادلاً حسن السيرة كثير الجهاد، فمن فتوحه ختن»، وهي بلاد بين الصين وتركستان كثيرة العلماء والفضلاء واستمر إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، فتوفي وكان يديم الصلاة في الجماعة. واقتسموا البلاد، فملك أبو شجاع أرسلان خان، وخُطب له على منابرها. قيل : ولميشرب الخمر قط. وأهل الدين يقصدونه من كل جهة، ويصلهم ويحسن إليهم وأسره وحبسه إلى أن مات وملك آلات، ثم عهد بغرا خان بن قدر خان بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جغرتكين. فغاظها ذلك فسمت بغرا خان، وخنقت أخاه أرسلان خان بن قدر خان، وذلك في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وملكت ابنها واسمه إبراهيم، وسيرت في جيش إلى مدينة برسخان (۲)، وانهزم عسكره إلى أمه. فقصدهم طفغاج خان. كان بيده سمرقند وفرغانة، وكان أبوه زاهدًا متعبدًا، وهو ملك سمرقند، وكان طغاج متدينا لا يأخذ مالًا حتى يستعنى العلماء، وورد عليه أبو شجاع العلوي الواعظ وكان من الزهاد، فوعظه، فأغلق طفغاج بابه وعزم على ترك الملك، وقالوا: قد أخطأ الواعظ، وفي الملك إلى ستين وأربعمائة، ففلج، فقصد أخوه طغان خان بن طفغاج، وحصره بسمرقد، وكان طَفْغاغ خان قد استولى على مالكهما، وأعمال الخافقة في أيديهما، والحد بينهما خُجندة (1) . ثم مات شمس الملك، فملك بعده أخوه خضر خان، وهو الذي قبض عليه السلطان ملكشاه السلجقي، ثم أعاده إلى ولايته، فنفر الرعية منه، وملك بخارى (٢)، وما جاورها، وهرب أحمد خان، واختفى في بيوت بعض العامة، فغمز عليه، فأكرمه السلطان، وأرسله إلى أصفهان واستولى ملكشاه على سمرقند و بخارى واستعمل عليها من قبله على ما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى في أخبار الدولة السلجقية. وكان جده من ملوكهم، وكان أصم، فقصده طغان خان صاحب طراز، واستناب بسمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي البغدادي، وقتل معه خلقا كثيرا، ثم خرج طغان خان إلى ترمذ (۳) يريد خراسان، فلقيه السلطان سنجر السلجقي، وصار له أعمال ما وراء النهر، فأخذها منه عمر خان، وملك سمرقند ثم هرب من جنده، و قصد خوارزم فظفر به لسلطان سنجر وولی محمد خان سمرقند، وولى محمد تكين بن طغان تكين بخاري. هؤلاء ملوك سمرقند وما والاها . فإنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدر خان، ثم صارت بعده لمحمود بغرا خان صاحب طراز والشاش (٤) خمسة عشرشهرا، ثم مات فولى بعده طغرا خان بن يوسف واستولى على الملك، وملك بلاساغون، وكان ملكه ستة عشر سنة ثم توفي، ثم أتى هارون بغرا خان أخو يوسف طغرل خان بن طغرل تكيين فأقام شهرين، وملك كاشغر وختن، وأقام في الملك عشرين سنة، فولي بعده ابنه أحمد أرسلان خان ورسل الخليفة المستهزئ بالله يطلب منه الخلع والألقاب، ثم صار ملك ما وراء النهر لملوك الخط، ضد الدولة الخانية، ذكر غزوة الهند والأفغانية في سنة تسع وأربعمائة جمع يمين الدولة من الجموع ما لم يجمع قبله مثله، فآكل ذلك إلى الحرب بينهما، فقتل راجيبال وأكثر جنوده، وهم كفار يسكنون الجبال ويفسدون، فخر بلادهم وأكثر فيهم القتل والأسر، ثم استقر في السير، وبلغ في الهند ما لم يبلغه غيره، وعبر نهر الكنك، فلما جاوزه وجد قافلة تعد على ألف جمل، فغنمها وسار، أنه قد سار من بين يديه يريد بيدا ليحتمي به فلحق به في رابع عشر شوال فاقتتلوا عامة نهارهم، وغنم المسلمون أموالهم وأهليهم، وأخذوا منهم جواهر كثيرة، وما يزيد على مائتي فيل، وخرج ملكهم، فأمر بها، وقتل من أهلها كفى، وسار يطلب بيدا)، فلحق به، وترك عن يمينه عن طريق يبسا يقاتل فيه إذا أراد القتال، وكان عدة من معه ستة وخمسين ألف فارس ومائة ألف وأربعة وثمانين ألف راجل وأربعين فيلا، ولم يزل كل عسكر يمد أصحابه حتى كثر الجمعان واشتدت الحرب، واشتدت القتال حتى حجز بينهما، فلما كان بكر يمين الدولة للقتال، ووجدوا خزائن الأموال والأسلحة بحالها، فغنم المسلمون كل ذلك، واقتفى آثار من انهزم فأكثر فيهم القتل والأسر، ذكر فتح قلعة من بلاد الهند وفي سنة أربع عشرة وأربعمائة أوغل يمين الدولة في بلاد الهند، فغنم وقتل حتى وصل إلى قلعة في رأس جبل منيع ليس يُضعد إليه إلا من طريق واحد، وفيها خمسمائة فيل وغلات كثيرة، ومياه، فحصرها يمين الدولة، ودوم الحصار، وضيق عليهم، فطلبوا الأمان، وأقر ملكها فيها على خراج يؤخذ منه، وأهدى له هدايا كثيرة، وهو صاحب ألف فيل وكان فيما أهداها فيلة حوامل ومرضع، وطائر على هيئة قمري (٢) جلبابه أدكن (٣)، وجناحاه مخططان بسواد، ومن خاصته أنه إذا حضر على رأس الخوان، وكان في الطعام سم دمعت عيناه، وجرى منهما ماء، ويتحجر فإذا أخذ ذلك الحجر، وإن كان في البدن نصل تعشر إلى غزنة مؤيدًا منصورًا إخراجه، قوبل به، فيجذبه حتى يمكن إخراجه، وفي سنة ست عشرة وأربعمائة فتح يمين الدولة عدة حصون ومدن من بلاد الهند، وهو أعظم أصنام الهند، وأن المد والجزر إنما هو عادة للبحر ويحملون إلى كل علق نفيس، ويعطون سدنت (۲) الأموال الجليلة، وفيه من نفيس الجواهر ما لا تحصى تبلغ، وبينه وبين نهر الكنك الذي يعظمه الهنود نحو مائتي فرسخ يتحملون من ماء هذا النهر إلى سومنات ماء يغسل به في كل يوم، وعنده من البرهمة ألف رجل لعبادة، وثلاثمائة رجل تحلق رؤوس زواره ولحاهم، وخمسمائة رجل، ولو أنه راض عنها لأهلك من تقصدها بسوء»، فلما بلغ ذلك يمين الدولة عزم على غزوه، وسار من غزنة في عاشر شعب من هذه السنة في ثلاثين ألف فارس من عساكر سوى المتطوع، وسلك طريق الملتان فوصلها في منتصف شهر رمضان، وفي طريقه إلى الهند قفار لا تسلك، فلما قطع المفازة رأى في طريقها حصونًا مشحونة بالرجال فيسر الله فتحها عليه، وامتار (۳) منها، وسار إلى أنهلوارة، فوصلها في مستهل ذي القعدة، وسار منها إلى قفر قليل من الماء، ويدفع عنهم، وغنم أموالها، فوصل إلى سومنات في يوم الخميس منتصف ذي القعدة فرأى حصنًا حصينا على ساحل البحر تبلغه أمواجه، وأهله على الأسوار ينظرون المسلمين، فلما كان الغد، وهو يوم الجمعة زحف، وقاتل حتى قارب السور، فصعده المسلمون هذا والهنود تتقدم إلى سومنات، واستمر القتال إلى الليل، ثم بكر المسلمون إليهم، فأكثروا في الهنود، فالتجؤوا إلى بيت صنمهم فقاتلوا على بابه أشد قتال، وغرق بعضهم. وأما البيت الذي فيه سومنات، فإنه مبني على ست وخمسين سارية من الساج (۲) المصفح بالرصاص، وسومنات حجر طوله خمسة أذرع ثلاثة مدورة ظاهرة، وليس هو بصورة مصوّرة، فكسره يمين الدولة، وأحرق بعضه، وأخذ بعضه معه إلى غزنة، فجعله عتبة لباب الجامع، وكان بيت الصنم مظلما، وقيمة ما في البيوت يزيد على عشرين ألف دينار، ثم ورد الخبر على يمين الدولة أن نهيم صاحب أنهلوارة قصد قلعة تسمى كندهة، فسار يمين الدولة من سومنات، فسألهم عن خوض البحر هناك، وخاض هو ومن معه، فسلموا فرأوا نهيم قد فارق القلعة، وأخلاها، وكان صاحبها قدارتد عن الإسلام، ففارقها واحتمى بغياض منيعة، فرحل إلى غزنة، فكانت غيبته في هذه الغزوة ستة شهور . ذکر ملكه الري وبلد الجبل فانصرف منوجهر بن قابوس صاحب جرجان و طبرستان بين يديه، وحمل إليه أربعمائة ألف دينار، ومطالعة الكتب، ونسخها. وكانت أمه تدبر المملكة، فلما ماتت طمع فيه الجند. قال: فلما وصلت كتبه إليه سير إليه جيشًا، وجعل المقدم علهيم حاجبه، فسار الحاجب بالعسكر، فلما وصل تلقاهم مجد الدولة، فقبض عليه الحاجب، وعلى ولده أبي دلف، ودخلها في شهر ربيع الآخر، وأخذ من الأموال ألف ألف دينار، ثم ملك قزوين وقلاعها، وآوة (۲) ، وياقت، وقبض على صاحبها، وسيره إلى خراسان. ولما ملك يمين الدولة الري كتب إلى الخليفة القادر بالله يذكر أنه وجد لمجد الدولة من النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة ولدن له نيفا وثلاثين ولدًا، وصلب من أصحابه الباطنية خلقا كثيرًا، ونفى المعتزلة إلى خراسان، وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال، فكانت مائة حمل، وتحصن منوجهر بن قابوس بن وشمكير بجبال حصينة، فلم يشعر إلا وقد أطل يمين الدولة عليه، فهرب إلى غياض ملتفة حصينة، وبذل له خمسمائة ألف دينار، فأجابه يمين الدولة إلى ماطلب. وقبض المال وسار عنه إلى نيسابور. ثم توفي منوجهر عقيب ذلك، وولي بعده ابنه أنو شروان، فأقره محمود على ولايته، وقرر عليه خمسمائة ألف دينار أخرى، وعاد إلى خراسان، واستخلف بالري ابنه مسعود فقصد أصفهان، وملكها من علاء الدولة. وعاد عنها واستخلف بها بعض أصحابه، فثار أهلها، فقتلوه، فقتل منهم نحو خمسة آلاف قتيل وسار إلى الري فأقام بها. والله أعلم بالصواب . ذكر ملك مسعود بن يمين الدولة محمود همذان وفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة سير مسعود جيشا إلى همذان، ففارقها علاء الدولة، فغنم مسعود ما كان له بها من دواب وسلاح وذخائر وغير ذلك، ذكر غزوة للمسلمين بالهند وفي هذه السنة غزا أحمد بن ينال تكين النائب عن محمود بن سبكتكين ببلاد الهند مدينة برسى، وهي من أعظم مدن الهند وكان معه نحو مائة ألف فارس وراجل، ونهب وسبى، فلما وصل إلى المدينة، دخل من أحد جوانبها ونهب المسلمون يوما كاملاً، ولم يفرغوا من سوق العطارين والجوهريين فحسب، وباقي أهل البلد لم يعلموا بذلك لأن طول البلد منزلة، فلما جاء المساء لم يجسر أحد على المبيت فيه لكثرة أهله، وبلغ من كثرة ما نهب المسلمون أنهم اقتسموا الذهب والفضة بالكيل، ولم يصل لهذه المدينة عسكر المسلمين قبله ولا بعده. ذكر وفاة يمين الدولة محمود بن سبكتكين وشيء من سيرته