الحديث هو كل ما حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، إذ كانوا يقتدون به فى أقوالهم وأفعالهم عملا بقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ويقول الجاحظ : «كانوا يكرهون أن يقولوا سنة أبي بكر وعمر ، وفى ابن سعد عن صالح بن كيسان قال : اجتمعت أنا والزهرى ونحن نطلب العلم فكنا نكتب السنن ، قال : وكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم قال : نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة ، قال : قلت إنه ليس بسنة، قال : فكتب ولم أكتب ، فالقرآن مثلا لم يذكر تفاصيل الصلاة والزكاة وهما من أهم أركان الإسلام ، بل اكتفى بمثل قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وفصل الحديث أوقات الصلاة وكيفياتها كما فصل القواعد والأسس التي يجب اتباعها في جمع الزكاة وتوزيعها . وهذان أمران من مئات الأوامر التى تناولتها أفعال الرسول وأقواله . وبذلك كان مكملا للقرآن ، وبأن يكون عمادة السنة فلا يجدوا منها كما مخرجاً وكان الصحابة يروون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وكان فعن ابن عباس قال : قال رسول الله : « اللهم ارحم خلفائى قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال : الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس (١)) . وكان كثيراً ما يقول للوفود : احفظوا أحاديثي واخبروا بها من وراءكم من العشائر ، وتتكرر فى خطبة حجة الوداع المشهورة : ( ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب» . وكان يُرسل فى القبائل رسله ليعلموهم القرآن وسنته . ومر بنا أنه لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن سأله : بم تقضى ؟ فقال : بكتاب الله ، فقال : فإن لم تجد ؟ قال : فبسنة رسوله . حتى يقفوا على أوامر الدين ونواهيه وما أخذهم به من آداب ونظم . واشتهر من بينهم جماعة بكثرة ما روى عنهم في هذا الباب مثل أبى هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأنس بن مالك ، وكثير غيرهم. حتى إذا ذهب الصحابة خلفهم التابعون يحكون ما سمعوه منهم . وبذلك أخذ الحديث ينتقل من جيل إلى جيل، وبذلك تعددت طرق رواية الحديث ، وأصبح يحتوى متناً وسنداً يطول ويقصر . الرواية والنقل الشفوى ، وهي في اللغة العادة ويراد بها تقاليد الأسلاف الأولين وقد حولها المسلمون إلى التقاليد التي حكيت عن الرسول وصحبه. ومما لا ريب فيه أن بعض أحاديث الرسول دون في حياته، وخاصة تلك التي تتصل بالزكاة حين كان يكتب إلى بعض الأقوام يبين لهم فرائض دينهم ، على نحو ما نجد ذلك في بعض كتبه المأثورة (١) . فقد أذن لرجل من الأنصار شكا إليه سوء حفظه لما يسمع منه أن يستعين على حفظه بيمينه (۲)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما يسمع من حديث فأذن له (٤) ، وفى بعض الأحاديث أن الرسول أمر أصحابه أن يكتبوا لرجل يمني خطبة سمعها منه، تضمنت بعض الأحكام الدينية (٦) . على أنه ينبغى أن لا نبالغ في تصور ما كان من هذه الكتابة لحديث الرسول في حياته ،