و بتلك اللحظات أتت أم سالم جدته فقالت له بصوت مرتفع : " بني العزيز أما زلت بالخارج تحلم ! " فأجاب بداخله : " أجل مثلما فعلت دوما" ، فالتفت علي لها و قال : " لا يا جدتي ، ثم دخلا إلى منزلهما وقالت الجدة : " إجلس هنا يا بني " فجلس بجانبها و قالت بحزن : " أما زلت تفكر بأمر والديك ؟ " فقال بحزن : " هما لا يغادران تفكيري أبدا و لكنني كنت أفكر بحلمي الآن " ، بعد ذلك تعجبت الجدة من ذلك و قالت : " الطعام على الطاولة تعال لنأكل ، كي تذهب لتكمل دروسك " فأكلا ثم استأذن علي و ذهب لغرفته ، فمرت الأيام و الليالي و كان يكمل يومه و لا يتغير نظامه فيذهب للمدرسة ليتمم دروسه و بعدها يعمل في الحقل و يتلقى أجره ثم يعود لمنزله و يجلس مع جدته و بالمساء يعزل نفسه بغرفته غارقا بأفكاره و هو ممسك بفرشاته و ألوانه و يعبر فيهما عن مشاعره التي لا يستطيع البوح بها و بعدها يذهب إلى النوم . فكان مكتوبا بهذا الإعلان : " فرصة لتصبح فنانا عظيما ! " فكان الإعلان عبارة عن مسابقة للشباب بالفن و سوف تقام بالمدينة القريبة منه و كانت الجائزة عظيمة بنظر علي لأن ذلك سوف يتيح له الفرصة بأن يظهر للعالم فنه و أن يصبح فنانا و سوف يتدرب على يد أعظم الفنانين و المبدعين في البلاد. فسارع علي بالتسجيل فيها و عاد للمنزل سريعا و أخبر جدته بذلك فقالت الجدة و هي محتارة : " مسابقة للفن ! ماذا تريد بها ؟ ماذا عن دروسك ؟ " فأجابها بإصرار : " جدتي إن هذا حلمي و وجدت طريقة لأشق طريقي له دعيني أفعلها و لن أقصر بدروسي " فأجابت الجدة بتردد : " و لكنك ستذهب إلى مدينة أخرى و هذا خطير على شاب مثلك و سوف تواجه مشاكل عدة لأن الفن غير متعارف عليه بمجتمعنا يجب أن تجد وظيفة حقيقية و ليس فنانا ! فلتكمل دراستك و تكن طبيبا أو مهندسا لتضمن مكانك و عملك " فأجاب علي و بادية عليه مشاعر الاستنكار : " جدتي العزيزة إن هذا حلمي و أرغب حقا بتحقيقه و هذه فرصة لا تعوض ، لذلك رجاء دعيني أجرب الأمر و أعدك أنني سأفعلها " ، فتبسمت الجدة وقالت : " حسنا يا بني ، أنا سعيدة منك لأنك تعلم ماذا تريد و أتمنى لك التوفيق و السداد سأدعو لك دوما و لتعلم أنني معك أينما ذهبت لذلك ابذل جهدك و توكل على الله " ففرح علي جدا و احتضن جدته قائلا : " حسنا يا جدتي سأبذل جهدي بهذه المسابقة و سأهدي هذا الفوز لكِ بإذن الله " ، من بعد ذلك تشجع علي و أخذ الأمر على محمل الجدية و بدأ يتدرب بجد و اجتهاد كل يوم بعد أن ينهي واجباته و عمله و بعد أشهر أتى وقت المسابقة و لكن قلقه كان شديدا و ازداد مع مرض جدته ، فكان يفكر بألا يذهب للمسابقة كي يعتني بها ، و سأحاول مرة أخرى الأعوام القادمة بعد أن تتحسني " فقالت له باستنكار : " لا يا بني ! لا يجب عليك ذلك ، فأجابها على مضض : " حسنا يا جدتي سأبذل جهدي و أعود لكِ بأسرع وقت ممكن و لكن لوقتها اهتمي بنفسك و صحتك و إن استصعب عليك أمر أخبري جارنا و لن يقصر بالأمر " فقام مسرعا و قبل جبينها و جهز حقيبته و أخذ معه فرشاته و ألوانه الخاصة ، بعدها وصل إلى مكان المسابقة في الوقت المناسب . و يداه تطبق أفكاره و لم يعد تركيزه إلى العالم المحيط به إلا عندما دق وقت الانتهاء و وقع على لوحته باسمه . فشكرته لجنة التحكيم و نزل عن المسرح مخاطبا ذاته : " لقد بذلت جهدي يا جدتي ، و مرت الأيام وعاد علي لمنزل جدته و قالت له : " ماذا فعلت يا بني ؟ " فأجابها بسعادة مختلطة بتوتر : " لقد بذلت جهدي ياجدتي و أتمنى أن أفوز حقا و لكنني متوتر من أمر النتيجة لأن المتسابقين كان أداؤهم جيد جدا " ، فأجابته بحنان : " لا تقلق و توكل على الله لقد عملت بجد على هذا و إن لم تفز فستبقى بني الذي أعتز به و سأبقى أشجعك دوما " فأجابها : " حسنا يا جدتي سأتوكل على الله و سوف أنتظر ما يحدث " ، ثم تم مناداة علي للعودة إلى المدينة و لكن هذه المرة مع جدته ، قال المذيع بصوت عالٍ : " الفائز بهذه المسابقة لهذه السنة الشاب علي ذو السبعة عشر عاما " ، فوقف علي مصدوما من شدة الفرح و جميع الجماهير تنادي باسمه و جدته بين الحضور تبكي من السعادة و الفرح ، و بعد ذلك صعدت جدته إلى المسرح و احتضنته و قالت له : " بني لقد وفيت بوعدك لي أحسنت ! " و بعد ذلك انتهت المسابقة و عاد علي و جدته إلى القرية لكي يجهز أموره كي يتدرب تحت أيدي الفنانين المشاهير بالمدينة و سافر لهناك و كان قلقا على جدته بسبب مدة التدريب و أنه سوف يغيب عنها لعدة سنوات و لكن مرت المدة سريعا و عاد علي بإسم الفنان علي و بنى سمعته كفنان صاعد و مميز و عاد بنجاحه هذا إلى جدته و أصبح رسامًا مشهورًا و بعد مدة اكتسب القدرة على أن يفتح مدرسة مخصصة لتعليم الفنون بقريته لدعم جميع الأطفال و الشباب ، فكان دوما يقول : " لا يجب عليكم أن تغادروا القرية كي تجدوا الفرصة و الأمل لذلك سأحضر فرصتكم لكم " ،