‏ ‏كان يا مكان في قديم الزمان ، في مزرعة عامرة بالحقول والوديان ، بطة تحتضن بيضاتها ، ولما ‏أن الأوان راحت في فراخها تكسر البيض وتخرج تباعا فكان كل فرخ ابهى من سابقه. وانتبهت البطة الحنون الى ان اكبر بيضاتها لم تفقسْ ، وكانت منذ البداية محتارة في امرها ، فها هي حزينة من اجلها ، تنظر اليها لايحيد بصرها عنها ، ظانة ان الفرخ داخلها قدْ ماتَ … فلم تمض دقائق حتى انشقت عن فرخ غريب الشكل، رمادي اللون ، لا يمتُّ لاخواته بشبه! صار الفرخ الرمادي محل السخرية بين اخوته وحيوانات المزرعة، وفي احسن الاحوال محل استغراب ، كلما مر بمعشر اشير اليه بالاصابع وسمع صيحات مثل : انظروا الى هذا الفرخ البشع !. لذلك قرر الفرخ القبيح مغادرة المزرعة حزيناً، مع علمه بالاخطار التي قد يواجهها. خرج الفرخ القبيح من المزرعة حزيناً، وانطلق حتى بلغ بحيرة مكتظة بالبط البريِّ… ثم فجأة ، سمع صوت طلقات نارية ورأى أسراب البط البري تتخبط وتطير في كل إتجاه ، وسقطت قربه بطة أصابتها رصاصة ، فَهَمَّ بمساعدتها لولا ان عاجله احد كلاب الصيادين بالتقاطها ، مبتعدًا بها نحو صاحبه، وهنا عَقبتْ بطة بقولها : عجبا حتى الكلب عافَ قبحُه وعزفَ اكلهُ . فحزن الفرخ القبيح لقولها ، لكن سرعان ما تذكر ، شكر الله الذي نجاه من الكلب ومن الصيادين ، وتابع مسيره . في طريقه استظل الفرخ القبيح بشجرة توت، فغلبه النعاس من شدة التعب ، ولم يوقظه الا صوت عجوز كانت تحمله بيديها ، وتقول : ارجو ان تكوني انثى تبيضين لي البيض اللذيذ. حتى وصلت بيتها حيث يعيش معها هرٌ مغرور ودجاجة وقحة ، بعد ثلاثة اسابيع ، ايقنت العجوز ان الفرخ ذكر لا يبيض ، فطردته شر الطرد …. وهاهو ذا شريدٌ مجددًا ، هائمٌ نحو مصير غامض ، وجاء الشتاء ، ولشتد البرد ، فهلا المكان من الطيور ، ثم هبت العواصف وتساقطت الثلوج فغمرت فرخنا القبيح ، بعد هدوء العاصفة وبزوغ أشعة الشمس ، خرج ابناء الفلاح يلعبون في ضوضاء ، واقتربوا من الفرخ القبيح ليلاعبوه ، وظن انهم سيضربونه فطار فزعاً، وحط في وعاء الحليب ، عنها صاحت زوجة الفلاح ولاحقته لتضربه، فوقع في كيس الطحين، حاول الاولاد مساعدته فنفر منهم محلقا بكل قوته الى خارج البيت ، الى ان حط على ضفة البحيرة فاغتسل، وتوارى بين نباتات القصب مستسلمًا لنوم عميقٍ. قضى الفرخ القبيح مدة يعاني البرد والوحدة، حتى هبت نسمات الربيع ، فامتلأت نفسه بهجة و املاً … وبينما هو جالس بين الحشائش ، لمح ثلاثة طيور ناصعة البياض لم ير في حياته اجمل منها ، تسبح في البحيرة وتقوم بحركات تأسر الأعين ؛ انها طيور التَّمِّ الفاتنة! فراح يحلم ويتمنى لو كان مثلها … ثم تذكر كل معاناته فقرر ان يسبح نحو هذه المخلوقات الرائعة التي اقصى اذى قد تلحقه به ان تقتله ، فتريحه من قبحه ومعاناته . انطلق الفرخ القبيح نحو طيور البحع وهو موقن بان الضربة ستاتيه لامحالة… وبدا يدنو شيئًا فشيئا فلاحظ منها ، عكس ما كان يظن ، استئناسًا به ، بل وانجذابا اليه ! فاستغرب الامر ، ثم لم يلبث ان سمع أطفالًا يقولون : انظروا ذاك البجع ، انه وافدٌ جديدٌ !إنه الاجمل والاكثر قوة وشبابا ، فقال في نفسه : لا يهم ان تولد في بيت بط او غيره ، مادمت قد خرجت من بيضة بجعة.