وهو المدخل للحياة العامة عبر سوق العمل أو التعليم ما بعد الثانوي. وجميع المشكلات الأخرى التي يواجهها أي مجتمع في غالبها الأعم مردها إما تدني مستوى التعليم العام أو قصور جوانبه. وبالتالي مفتاح حل هذه المشكلات والتغلب عليها هو النهوض بالتعليم عبر عناصره الثلاثة: المعلم والمنهج والمدرسة. ورغم أن تقرير الدراسة ركز على عرض المؤشرات التعليمية المختلفة - ولم يقف كثيراً أمام مؤشرات التحصيل ومدلولاتها وأثرها ووسائل علاجها بشكل علمي لائق - إلا أنه ينبهنا إلى مخاطر الأزمة الصامتة التي تعصف بالتعليم العام بمراحله المختلفة: من مرحلة رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية. وتعد الكويت من أوائل دول الخليج العربية التي استثمرت بسخاء في التعليم. 7 في المائة من الإنفاق العام أو ما يعادل 6. 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويضم التعليم العام 1029 مدرسة من عامة وخاصة تخدم أكثر من 540 ألف طالب من الجنسين، ويتراوح متوسط كلفة الطالب في مراحل التعليم العام الأربع 4, إذا ووفق جميع المعايير الدولية تمتلك الكويت كامل المقومات لأداء جيد في التعليم العام. إلا أن تقرير دراسة مؤشرات التعليم العام يكشف عكس ذلك. ورغم أن التقرير ركز على عرض المؤشرات التعليمية المختلفة لم يقف كثيراً أمام مؤشرات التحصيل ومدلولاتها وأثرها ووسائل علاجها بشكل علمي لائق إلا أنه ينبه إلى مخاطر الأزمة الصامتة التي تعصف بالتعليم العام بمراحله المختلفة: من مرحلة رياض الأطفال إلى نهاية المرحلة الثانوية. الواقع المحزن للتعليم العام في الكويت مشكلات التعليم في الكويت والتي كشف عنها التقرير قد لا تختلف كثيراً عن مشكلات هذا القطاع المهم في بقية دول المنطقة نظراً لتشابه الظروف. وما هي المؤشرات التي كشفها التقرير؟ يشير التقرير إلى الشواهد التالية: ومتوسط راتب المدرس الكويتي السنوي (11, 500 دينار كويتي أو 39, 000 دولار) من أعلى المستويات العالمية وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار عدد ساعات التدريس الرسمية أو الفعلية. 7 في المائة للذكور و5. كما يبين أن معدل إتمام المرحلة الثانوية للذكور الكويتيين تقريباً وتتعزز هذه الظواهر السلبية مع السنوات، 5 في المائة) الأخرى وعشرة أضعاف دول وسط وشرق أوروبا (1. وتراوح هذا التدني، بسبب الغياب وغيره، 4- رغم الإنفاق الهائل وارتفاع نسبة المدرسين إلى الطلبة مقارنة بالدولة الأخرى إلا أن الشواهد تشير إلى ضعف التحصيل التعليمي. وهو ما عكسته نتائج مؤشرات دراسة الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية عام 1998 التي بينت أن مستوى التحصيل في جميع المراحل متدن ولا يتناسب مع كلفة الطالب وعبء التدريس المنخفض للمدرس. وأن التحصيل يعكس التركيز على مهارات التذكر على حساب مهارات التفكير. وتعكس نتائج الرياضيات تراجع قدرات التحليل المنطقي واستيعاب المفاهيم المجردة عند الطلبة، وربما تدلل نتائج الكيمياء على مهارة الحفظ التي تعززها المدارس مقارنة بالتفكير. تنامي مكانة التعليم الخاص حتى وصل عدد مدارسه إلى أكثر من الثلث (37 في المائة) وهو يشكل حوالي 42 في المائة من المدارس الثانوية. والرسوب والتسرب، واختلال المناهج، وانخفاض الإنفاق الاستثماري على التعليم مقارنة بالإنفاق الجاري، وغياب أدوات القياس والتقييم الدوري لأداء النظام التربوي في الكويت. ثم ينتهي ببعض التوصيات العامة. ورغم تقديرنا بأن كنز المعلومات والبيانات في التقرير لم يحظ بالتحليل الكافي، إلا أنه أول محاولة جادة ومنهجية لتشخيص واقع التعليم العام في البلاد من خلال مؤشرات دولية متعارف عليها مما سيُسهل المقارنة والمتابعة. ووقف دون تحليل أسباب المشكلة. ومن ثم جاءت التوصيات وكأنها مبتورة، ولا توازي حجم المشكلة. أين تكمن المشكلة؟ ولماذا جاءت النتائج على هذا النحو؟ الملاحظ من أرقام الدراسة أن ظاهرة الرسوب المرتفعة متواترة خلال جميع سنوات النقل الدراسية (المتوسط والثانوي) وإن تجلت بشكل لافت في امتحانات الثانوية العامة حيث نسبة النجاح للكويتيين حوالي 43 في المائة بين الذكور و72 في المائة بين الإناث (2002/2003). وقد يكون مردها الإهمال من الطلبة وأولياء الأمور وهي مشكلة مجتمعية. إلا أنها بالتأكيد مرتبطة بضعف مستوى المدرس التعليمي وغياب حماسه للوظيفة وانشغاله عنها كما تشير الإحصائيات، مسألة التسرب من التعليم العام في أحد جوانبها مرتبطة بظاهرة الرسوب وخاصة بين الذكور. فالطالب الذي يشعر بالفشل الدراسي لا يجد حافزاً على المواصلة. وتبين الإحصاءات عام 2002/2003 أن معدل إتمام التعليم العام بين الذكور منخفض مقارنة بالإناث، وخاصة في المرحلة الثانوية حيث تنخفض النسبة إلى 43 ذكراً لكل 72 أنثى مقارنة بالمرحلة المتوسطة حيث النسبة متساوية 90 ذكراً لكل 9072 أنثى. وتعزز بيانات الالتحاق الظاهري هذه الظاهرة. فالصف الأول ابتدائي يبدأ بتساوي الجنسين حتى نهاية المرحلة المتوسطة ثم ينحرف بارتفاع نسبة الإناث إلى الذكور بدءاً من المرحلة الثانوية 97 أنثى لكل 84 ذكراً في عام 2003/2004 ويستمر حتى المرحلة الجامعية. وتفشي ظاهرة التسرب بعد المرحلة المتوسطة مباشرة يعود لكونها نهاية مرحلة التعليم الإلزامي وما يتبعها من هروب الطلبة الذكور إلى سوق العمل. ولا مبرر لبقاء مرحلة التعليم الإلزامي عند الحد المقنن من دون رفع سقفها إلى ما بعد السنة الثانية ثانوي أو الثانوية العامة. فما قيمة تعليم متواضع لسوق العمل في بلد ينشد الازدهار الاقتصادي، عدد ساعات السنة الدراسية الرسمي المتدني مقارنة بالمعايير الدولية – وما يأكل منها من إجازات رسمية وطقوس شهر رمضان وغياب كبير – يقلص من فرصة التحصيل عند الطلبة. وهو ما يفسر تفشي الدروس الخصوصية. هناك تضخم كبير في الدرجات المدرسية، وتتجلى هذه الظواهر السلبية بشكل فاضح في مدارس نظام المقررات حيث بينت تجارب جامعة الكويت وطلبة البعثات الهوة بين تقديرات الطلبة وقدراتهم الفعلية مما يقود إلى الفشل عند أول اختبارات حقيقية وما يواكبه من هدم ثقة الطلبة بأنفسهم وتخريب مستقبلهم. وأكبر دليل على عجز نظام التعليم العام هو هروب الكويتيين منه إلى المدارس الخاصة، حيث ارتفعت نسبتهم فيها من 3 في المائة إلى 23 في المائة رغم التوسع الكبير الذي شهده التعليم الخاص خلال 13 عاماً حيث أصبح يشكل 37 في المائة من عدد المدارس و 31 في المائة من عدد الطلبة في الكويت. وما توفره على الخزانة العامة من مصاريف، إلا أنها تواجه حرباً خفية بدلاً من التشجيع والتحفيز، وهي ظاهرة مزمنة ومتكررة في جميع المراحل: من أولى مراحل التعليم العام وحتى الدراسات العليا. ونسب الرسوب والتسرب من التعليم للذكور ضعف نسب الإناث. وفي بعض الكليات (مثل التربية) تشكل الإناث 80 في المائة من طلبة الكلية. قد يعتري الفخر البعض بهذا الإنجاز للمرأة الكويتية، إلا أن الهوة الكبيرة بين الجنسين في التعليم غير مقبولة بأي شكل من الأشكال. وكليتا التربية في جامعة الكويت والهيئة لا تقومان بهذه المهمة. فالقدرات المعرفية لمدرس الرياضيات من خريجي كلية التربية مثلاً تقل بكثير عن نظرائهم من تخصص الرياضيات. والشيء ذاته ينطبق على بقية التخصصات. وهو ما انتبهت إليه الدراسة في إحدى توصياتها. 5 مليون دينار كويتي في السنة لمدرسي جميع مراحل التعليم العام في أي من السنوات 2001-2004. كما يفضل اقتصار اختيار المدرسين على خريجي التخصصات الدقيقة، مع تدريب أو دبلوم في أساليب التعليم. فتصبح كلية التربية مسؤولة فقط عن طرح مقررات وبرامج في التأهيل التربوي، ولا صلة لها بالتأهيل التخصصي، وهو النهج الحديث لكليات التربية في العالم. وتوصي الدراسة بتشجيع القطاع الخاص للدخول في مجال التعليم العام، كما ذكرنا سالفاً فإن الدراسة مدخل مشكور للكشف عن التشوهات التي اعترت النظام التعليمي والإهمال الذي لحق به خلال السنوات الطويلة الماضية. وخبرة الكويت مع تقارير اللجان غير مشجعة. إنها كما نراها أزمة حقيقية صامتة لا تقل في خطورتها عن حريق آبار النفط. وستأتي على مستقبل الكويت إن لم يلتفت إليها المسؤولون، وعلى أعلى المستويات. ويستدعي إيكال مهمة مراجعة الوضع التعليمي واقتراح وسائل العلاج والتطوير المطلوبة إلى خبراء دوليين بدعم من فرق محلية. فالمسألة لا تحتمل التجريب وضعف الخبرات.