: يعيش البشر على هذا الكوكب قد اختلفت دياناتهم وأفكارهم ، وإن الدين الذي يعامل أهل الملل الأخرى بالعدل وبالقسط لا بد أن يكون ديناً عظيماً يقبله العالمون إذا جاءهم فاتحاً . والإسلام أصدق دين يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف . وإن من عظمة هذا الدين أنه دين ذو شريعة غراء تنظم تفاصيل هذه الحياة الدنيا ، ومن ذلك اهتمام هذه الشريعة بالعلاقات الإنسانية ورعايتها لها . ومن هذه العلاقات الإنسانية : علاقات المسلمين بالكفار . وقد قال الله تعالى في الكفار من أهل الكتاب : " ليسوا سواء . " [آل عمران : 113]. بل هم أنواع ومراتب ومنهم البعيد ولكن الحكم ونظر الكفار المعصوموا الدم والمال ٩:٠٣ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : وما يهمنا هنا أنواع الكفار الذين هم معصوموا الدم والمال في نظر الإسلام . وهم ثلاثة أنواع : الأول : أهل الذمة. ولن تتكلم في مبحثنا هذا عن أهل الذمة ؛ لتعذر العمل بالأحكام الخاصة بهم في زماننا هذا بسبب ضعف المسلمين وسيطرة الأفكار الدولية على معظم الدول الإسلامية والعربية ، وأهل الذمة ، والمعاون دون ، والمستأم نون ، كلهم أعطوا عهداً بالأمان من المسلمين. ويختلف كل قسم عن الآخر في عدد من الجوانب والتفاصيل الحكمية الشرعية ٩:٠٦ م, : أولاً : المُستأمنون X تشا المستأمنون جمع مستأمن بكسر الميم الثانية ويفتحها . المستأمين بكسر الميم هو طالب الأمان ٢٤٦ والمستأمن بفتح الميم هو المؤامن بمعنى أنه أعطي الأمان . استوطن صار ذمياً عليه أن يدفع الجزية وتسري عليه أحكام أهل الذمة . ولكن قد يطلق مصطلح المستأمن على المسلم الذي ذهب إلى بلاد الكفار بأمان ، وللمستأمن المسلم ، وقد رود في تعريف الموسوعة : " الْمُسْتَأمِنُ : مَنْ يَدْخُل إِقْلِيمَ غَيْرِهِ بِأَمَان سواء كان مُسْلِمًا أم كافراً حريًّا ٣١١. ماذا يترتب على إعطاء الأمان للكافر المستأمن : ٣١٥ ولا يجوز الغدر بالمستأمنين ونقض الأمان الذي أعطى لهم إلا أن ينبذ إليهم الإمام أو صاحب العهد بأن يخبرهم بأن الأمان قد انتهى فينتهوا لذلك . كما قال الله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة قائد أو يعقد عهد الأمان لقليل من الكفار المحاربين أو لكثير منهم ، أما تأمين العدد الكبير فهو من حق الإمام . أنا والهدف كما هو واضح من الآية تقريب هؤلاء المؤمنين إلى الله وإسماعه آيات الهدى . يجب على المسلمين جميعاً الالتزام بأمان الإمام أو نائبه : الحكمة من الأمان : ٩:١١ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : يجب على المسلمين جميعاً الالتزام بأمان الإمام أو نائبه : وإذا وقع الأمان من الإمام أو نائبه أو من غيره بشروطه وجب على المسلمين جميعاً الوفاء به ، فلا يجوز قتل المستأمنين ، ولا سببهم ، ولا أحد شيء من أموالهم ، ولا التعرض لعصمتهم ، ولا أذيتهم بغير وجه شرعي . ويسري هذا الأمان إلى أهل المستأمن وما معه من مال إذا كانا معه في بلاد الإسلام . ٩:١٢ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : هل يصح للمرأة المسلمة أن تمنح الأمان : يرى جمهور الفقهاء إلى أنه يصح للمرأة المسلمة أن تمنح الأمان لكافر مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم : " قد أخرنا من أخرْتِ يَا أُمَّ هاني " متفق عليه ٢٥ ٩:١٣ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . وحدة بعضهم بشهرين ، وبعضهم قال : يشترط أن لا يزيد على أربعة أشهر ، : متى يصير الأمان لاغياً : ينتقض الأمان بأمور منها : -1- إذا رأى إمام المسلمين أنه لا مصلحة في هذا العقد ، ولا يجوز التعرض للمستأمنين قبل إخبارهم بوضوح ، لقوله سبحانه وتعالى : " فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخائنين" [الأنفال : ٢٠١ أجمع علماء الإسلام على أن المستأمن إذا رغب في نبذ عهد الأمان وإلغائه ، وأخبر عن رغبته بوضوح وجب على المسلمين تبليغه المأمن ، ولا يتعرض لما معه بشيء انقضاء مدة الأمان إذا كان محدوداً بوقت معلوم لدى الجميع . مَا يَسْتَحِقَّهُ الْمُسْتَأْمِنُ مِنَ الْكَبْرِ وَالْمَعْدِنِ ( والنفط من المعدن ) : إذا عمل المستأمن في استخراج المعادن ( ومنها النفط ) فإنه يستحق ما حصل الاتفاق عليه مع الإمام ، وفي المبسوط للسرخسي من الحنفية : " يؤخذ منه الخمس ، فإذا اتفقوا على أقل من ذلك للمستأمن فإنه حائز من باب أولى إذا دخل المسلم دار الكفار بأمان فإنه يحرم عليه خيانتهم فلا يتعرض لشيء من أموالهم ودمائهم وفروجهم ؛ لأن الله عز وجل قال : " إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَالِنِينَ " [الأنفال : 58] ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم ٣٥٧ . وأي نوع من أنواع المعاملات اليوم التي تجريها الدول والحكومات اليوم لإدخال غير مواطنيها يعتبر عقد أمان يلزم بموجبه أن يكون الداخل إلى ديارهم مستأمناً لا يجوز له الإخلال بعقد الأمان الذي أدخلوه به . ولا يصلح في دين المسلمين الغدر . ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : ثانياً : المُعَاهَدُونَ المعاهدون جمع معاهد، والمعاهد نسبة إلى العهد. ومن معانيه في اللغة اليمين ، لأنه مما ينبغي الاحتفاظ به والحفاظ عليه. ٣٥٨ ماذا يترتب على الهدنة : ويأمن الأعداء . كما في عقد الأمان . لأن الموادعة عقد أمان أيضاً، وبناء عليه يجب كف أذانا أو أذى الدميين عنهم حتى يتأتى ناقض للعهد منهم . ٩:١٨ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . 1- أن الهدنة معاهدة بين دولتين على إنهاء القتال وتوفير السلام في جميع أنحاء الدولة . أما الأمان العام فهو اتفاق الدولة مع جماعة غير محصورة على المسالمة ومنح الأمان في بلد أو إقليم معين 2- أن الهدنة طريق لإنهاء الحرب بين المسلمين وغيرهم، لقوله تعالى : فقال سبحانه: "وإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَحَارَكَ فَأَجِرُهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلام الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ " [التوبة : 6] أما الإجابة لطلب الهدنة فمباحة جائزة غير واجبة بشرط مراعاة المصلحة الإسلامية. 4- إذا بطل أمان رجال لم يبطل أمان نسائهم والصبيان، ٩:١٩ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : مسوغات عقد الهدنة وإبرام العهد مع الدولة الكافرة : يتفق الفقهاء أن شرط مشروعيتها أن يكون المسلمون في حال ضعف، وهو صورة من صور المصلحة من عقد الهدنة . والمصلحة من عقد الهدنة كما تتحقق حال ضعفنا، فإنها تتحقق بأغراض أخرى : 1 - كرجاء إسلام الكفار . ٢ - أو عقد الذمة فيأتون إلينا ويدخلون تحت طاعتنا . المقابل المالي في المعاهدة إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين : ولا بأس بأن يتم الصلح على عوض مالي يدفعه المسلمون إلى الكفار عند الاضطرار، لأن الله تعالى أباح لنا الصلح مطلقاً في قوله : وإن ولأن المقصود من الصلح هو دفع الشر والخطر، ولكن أهم النواقض التي وردت في كلامهم : الخيانة ، وهي كل ما ناقض العهد والأمان ، أو أخل بشرط من شروطه. أو قتل المسلمين ، أو أخذ أموالهم بغير حق . بل ذلك راجع إلى راجع إلى الإمام ، أما الراجح - والله أعلم - فإنه ليس للمهدئة مدة معينة، إنما تقدير المدة راجع إلى اجتهاد الإمام قدر الحاجة لأن المهادن… ٩:٢٣ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : قد أعطوا عهداً بالأمان . والمستأمنون : وهم حربيون أعطوا عهداً بالأمان لمدة مؤقتة ، قد أعطوا عهداً بالأمان . ٩:٢٤ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : مولاء كلهم أهل عهد ، عدم جواز نقض العهد الذي أبرم من أجلهم أو الإخلال به . رهيبة العاقبة . وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما ٣٦٨ والمقصود ب" المعاهد في هذا الحديث الكافر الذي أعطاه المسلمون أو إمامهم عهداً بالأمان ، والمستأمنين ، وأهل الصلح والهدنة . ولهذا نوع البخاري تبويبه لهذا الحديث ، ومرة باب إلم من قتل دمياً بغير حق ٣٧٠٠ 2 عن صفوان بن سليم أنه أخبرة عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن نالهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " الا من ظلم … ٩:٢٦ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : الإسلام دين العدل والحق، كفل لكل إنسان في الوجود حقه، وألزمه من الواجبات، وحتى نرى عظمة ديننا في اهتمامه بكل طوائف المجتمع. ما يأتي: وكرمهم أحسن تكريم، ومن مظاهر هذا الاهتمام 1- أنه خفف عن الرسول ﷺ وأصحابه في قيام الليل حتى لا يعوفهم هذا القيام عن العمل، فقد كان القيام واجبا على الرسول ﷺ قال تعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ تُلْقِي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَقُلْتَهُ وطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْص… ٩:٢٧ م, لا تميد ولا تضطرب، وفخر فيها الينابيع، وشق الطرق، وهيا المنافع، وأتبت فيها الزروع وأخرج الثمار، فسيروا في جوانبها وأقطارها وأرجائها حيث شئتم بحثا عن المكاسب والتجارات ولا يعني السعي شيئا عن تيسير الله، لذا قال تعالى ( وَكُلُوا مِنْ رِزْقه أي مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض، وأعطاكم القدرات على تحصيل خيراتها، فإليه النشور، وإليه المرجع يوم القيامة، فاحذروا الكفر والمعاصي في السر والعلن. : والآية دليل على قدرة الله ومزيد إنعامه على خلقه، وعلى أن السعي واتخاذ الأسباب لا ينافي التوكل على الله، وعلى أن الاتجار والتكسب مندوب إليه. ٩:٣٠ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب له أنه سمع رسول الله ﷺ يقول : لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا "(٢٧) فأثبت لها عدواً ورواحاً، لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسحر المسير المسبب. وأخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرة قال: مر عمر بن الخطاب الله يقوم، فقال: من أنتم؟ فقالوا : المتوكلون، إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض، وحل . ومن اهتمام الإسلام بالعمل أنه حث على الانتشار في الأرض بعد الفراغ من الصلاة قال تعالى ) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ الفلحون) (۳) أي: إذا فعلتم الصلاة وأديتموها وفرغنم منها فانتَشِرُوا فِي الْأَر… ٩:٣١ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظهره خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِي رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنعه. (۳) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي الله أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَأَعْطَاهُمْ ، وَمَا أُعْطِي أَحَدٌ عَطَاءٌ خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ . (۳) فالنبي ﷺ يعلمهم أن الاستعفاف عن المسألة، لأن السؤال ذل للإنسان وإهدار لكرامته ، ولن يكون للأمة كرامة بين الأمم ورفعة إلا إذا اعتمدت على صنع أيديها وا… ٩:٣٣ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : 6- معرفة الأنبياء لقيمة العمل وقيامهم به كان الأنبياء وهم أشرف الخلق على وجه الأرض يعملون؛ لأنهم يعلمون أن شرفهم وعزهم في العمل، فهذا نبي الله داوود التي كان يعمل حداداً يصنع الدروع والسيوف، تلك المهنة التي ربما يعدها البعض اليوم عيباً، ويستحي أن يعملها قال تعالى (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) (۲۸) حتى إن الله امين عليه بإلانة الحديد له كما دل على ذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ ۳) أخرجه البخاري ك : الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (صحيح البخاري 2/ 123). ۳۳) أخرجه البخاري ك : الزكاة ، باب الاستعفاف عن المسألة - 1469) (صحيح البخاري (122/2). ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث كعب بن عجرة - 15619) المعجم الكبير للطبراني 491/13). 1) سورة الأنبياء الآية (80). آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا… ٩:٣٦ م, ٢٢‏/٥‏/١٤٤٦ هـ] . : - اهتمام الصحابة بالعمل دليل على أهميته كان الصحابة الكرام يعملون بأيديهم؛ ذكر أبو الفرج ابن الجوزي عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتحر بها،