كان هناك كوخ صغير منفرد بين الحقول تسكنه امرأة تدعى" راحيل" مع ابنتها مريم التي تبلغ السابعة عشر من عمرها. و كانت مثل جميع الأرامل الفقيرات تعيش بالإجتهاد و العمل . فكانت تخرج أيام الحصاد و تلتقط السنابل المتروكة في الحقول . و في أيام الخريف كانت تجمع فضلات الأثمار المنسية في البساتين . و في الشتاء كانت تغزل الصوف و تخيط الأثواب مقابل دريهمات قليلة و كانت تساعدها في ذلك ابنتها.في إحدى الليالي الشتائية المخيفة ، كانت راحيل و ابنتها جالستين بقرب موقد قليل النار ، و فوق رأسيهما سراج ضعيف يبعث أشعته الصفراء في الظلام . انتصف الليل و المرأتان جالستان تسمعان صفير الرياح، و من وقت إلى آخر كانت البنت تقف و تفتح الكوة الصغيرة و تنظر في الظلام ثم تعود إلى مكانها مضطربة.فجأة التفتت البنت نحو أمها وسألتها : " هل سمعت يا أماه صوت صارخ مستغيث ؟ ".رفعت الأم رأسها و قالت: لا ن لم أسمع سوى صفير الرياح يا ابنتي" .وقفت البنت و فتحت الكوة و أصغت قليلا ثم قالت : قد سمعت الصراخ ثانية يا أماه " . تعالي نفتح الباب و ننظر .التفت راحيل برداء طويل و خرجت ، و بقيت البنت واقفة في الباب و الهواء يتلاعب بشعرها . مشت راحيل بضع خطوات ثم وقفت و نادت : من الصارخ؟ أين المستغيث ؟ فلم يجبها أحد . تقدمت إلى الأمام بشجاعة ملتفتة إلى كل ناحية . و لم تسر طويلا حتى رأت آثار أقدام في الثلج . و بعد قليل نظرت فرأت أمامها جسدا مطروحا على الثلج كرقعة سوداء على ثوب ناصع البياض . تقدمت و ذرت الثلج عنه ن و وضعت يدها على صدره ، فشعرت بنبضات قلبه الخافتة . التفتت نحو الكوخ و صرخت : "هلمي يا مريم ، و حينما وصلت إلى أمها و رأت الشاب ملقى بلا حراك على الثلج ن صرخت بتوجع ، فقالت الأم : " هة حي ، أمسكي بأطراف أثوابه ، و تعالي نحمله إلى البيت ".حملت المرأتان الفتى و لما مصلتا لإلى الكوخ ، وضعتاه بجانب الموقد و أخذت الأم تدلك أعضاءه المتجمدة ، فلم تمر بضع دقائق حتى عادت إليه الحياة ، فتحرك قليلا ن و ارتعشت أجفانه ،