غربة الل غة العربي ة بين أهلها. إنّها غربة اللغة؛ التوصيف األد ّق لهذا المشهد الذي يمثل نموذجا لما تعيشه العربيّة في أوطانها وبين أبنائها؛ غربة اللغة العربية التي قال في وصفها المستشرق الفرنسي أرنست رينان المعروف بشدة عدائه للعرب ولغتهم في كتابه )التاريخ العام للغات السامية ونسقها المقارن(: "من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب ح ّل س ّره؛ انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء. لم يدخل عليها منذ ذلك العهد ويتابع "فبدت فجأة على غاية الكمال، إلى يومنا هذا أدنى تعديل مهم، فليس لها طفولة وال شيخوخة، ظهرت ألول أمرها تامة مستحكمة". أيضا: "ما عهدت قط فتوحا أعظم من الفتوح العربية، وال أشد سرعة منها؛ عمت أجزاء كبرى من العالم، ولم ينازعها الشرف في كونها لغة عامة، أو لسان فكر ديني أو سياسي. مظاهر غربة اللغة العربية بين أهلها وأسبابها إ ّن غربة اللغة العربية عن مجتمعاتنا العربية غدت من الظواهر التي ال تخطئها عين متابع، ّى هذه الغربة في صور شتى؛ ك ّل مخلص ألمته ووطنه ودينه، الفصيحة في أحاديثنا اليومية وفي ارتباطنا وتواصلنا مع المجتمع من حولنا، المعرفة في بعض المجاالت التقنية الحديثة التي تنفرد بها اللغات األجنبية. ويعكس هذا األمر رغبة عالمية بتنحية العرب عن المشاركة في هذه المساقات العلمية، بخلق نظرة استصغار لها لدى أبنائها الذين لم يتعرفوا إليها حق المعرفة، وهذا أمر مؤسف حقيقة. إلى ذلك تن ّمر المجتمع واستهزاءه بمن يحاول أن يتحدث بالفصحى، ومن المظاهر أيضا انتشار الالفتات التعريفية بالمحالت التجارية والمؤسسات العاملة باللغات األجنبية واعتبار ذلك ضربا من الرقي والتحضر، اإلعالمية والمسلسالت والبرامج المختلفة ال سيما الخاصة باألطفال. ومن أسباب هذه الغربة التعليم الذي بدأ يعطي مظلة النتشار المدارس األجنبيّة والدولية التي تعتمد اللغة اإلنجليزيّة وتنحي العربية ع ورقي وأنهم ال يتحدثون بينهم إال باللغة التي يتلقونها في مدارسهم الدولية. وفي كتابه "اللغة الباسلة" يؤكد المرحوم الدكتور فتحي جمعة أستاذ علم اللغة السابق بكلية دار العلوم أ ّن مدارس اللغات من غرس المحتل، وأنها أ ّدت دورا كبيرا في غياب الفصحى وإبعادها عن الحياة الطالبية.