أيها القراء: إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، واحتقارًا لها أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحًا بيضاء مشرقة؟ ويُحْمَى عن الطعام ويُمنع منه، ويحسد من يأكلها؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟ لماذا لا تعرفون النِّعم إلا عند فقدها؟ لماذا يبكي الشيخ على شبابه، لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، كلٌّ يبكي ماضيه، وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤْتى بأطايب الطعام، لما نَظَر مِن شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود، يدفع اللقمة في فمه، ويأخذ الثالثة بعينه، فتمنَّى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانيًّا, فالصحة اهم من المال , و هي تاج علي رءوس الاصحاء , والبلدان، والصحف، والنكات، والمطاعم، وكم قصة يروي من قصص الناس والتاريخ، وكم يشغل من ذهنه ما يمرُّ به كلَّ يوم من المقروءات، ويُسَلِّي المحزون، ويُسَخِّي الشحيح، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا، ومن خيبته نُجحًا. وأن تنظر إلى من هو دونك، وحسبًا ونسبًا.