الرسائل الإخوانية و الرسائل الإخوانية هي تلك الرسائل التي تدور بين الإخوان والأصدقاء والخلصاء ، أو يلتمس منه أمراً من الأمور . وهذا النوع من الرسائل ميدان فسيح للإبداع يتبارى فيه الكتاب والأدباء ، ويتيح لأقلامهم وقرائحهم أن تنطلق على سجيتها ، وأن يعبر أصحابها عن عواطفهم الشخصية في لغة مصقولة منتقاة ، وأساليب قوية موشاة . لاشتراك الكافة في الحاجة اليها . وإذا كان الكاتب ماهراً متمرساً بالكتابة ، والاستعطاف ، والسؤال عن حال المريض ، والأخبار ، والاستعطاف ، والشفاعة ، والمداعبة ، وفيما يلي بعض نماذج من رسائلهم الإخوانية للاستدلال بها على طبيعتها وأساليبها وطرق معالجتهم لها وتناولهم لموضوعاتها : . رسالة في عتاب صديق يقول فيها : أظلم لي جو صفائك ، فليت شعري ما الذي أقسى منهجة ذلك الود ، وأذوى زهرة ذلك العهد ؟ و الخليع بالكأس . وهذه ثغرة" إن لم تحرسها المراجعة ، توجهت منها الحبل على هدم ما بنينا ، ونقض ما التنينا ، وتلك نـاعـيـة الصفاء ، لا أنتبذ (1) ـ أعزك الله – من الكتاب (۲) اليك ، وأخرس فم الفكر ، ولا بشاشة" عند محاولة مخاطبتك ، لقوارص - عيتابك . وقوارع متلامك ، التي قد أكلت أقلامك ، و أضجرت رسلك وكثير ما يكون عتاب المتصافـيـيـن حيلة تسبر المودة بها ، وتستثار دفائن كما يعرض الذهب على اللهب ، وتصفق (۱) المدام بالفـدام(٢) . فأما إذا أعيد وأبدي ، وردد ورولي ، فإنه يفسد غرس الإخاء ، . دافعاً للتطاول والاعتداء ، لم ينظم الله تعالى بلبنك (4) الملك عقدا ، وجعل لك حلا" للأمور وعقدا ، وأصار من الناس لعـونك منتظرا ومرتقبا ، إلا أن تكون للبرية حائطاً ، حتى لا يكون فيهم من يضام ، ولا ينال أحد هم اهتضام ، ولتقصر يد كل معتد في الظلام . وأوضحت له إلى الاستطالة لما علم أنك لا تنكر عليه نكراً ، ولا تغير له متى مكر في عباد الله مكثراً ، جرى في ميدان الأذية ملء عينانه ، ولتسكن بك الفلاة والغـور . فكيف أرسلت زمامه حتى جرى من الباطل في كل طريق ، وأخفق به كل فريق ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وستقف بين يدي عدل حاكم ، يأخذ بيد كل مظلوم من ظالم ، قد علم كل قضية قضاها ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . قيم تحتج معي لديه ، إذا وقفت أنا وأنت بين يديه ؟ أترى ابن زهر ينجيك في ذلك المقام ، لتقوم عليك الحجة (3) ، لا رب غيره ، رسالة طويلة استوعبت نحو ست صفحات ، وقد بعث بها إلى صديقة ابن خلدون في الشوق اليه ، ومنها بعد استهلالها بقصيدة من اثني عشر بيتا : بعد أن تجاوز اللوى والمنعرج ، والمؤمن ينشق من روح الله الأرج . وأنتي بالصبر على إبر الدبر (4) ، أو تذهل ذهول الزاهد ، فكيف حاله إن رحلت عنه ونزحت ؟ وإذا كان الفراق هو الحمام الأول ، فعلام المعول ؟ أعيت مراوضة الفراق ، على الراق ، وكادت من لوعة الاشتياق ، أن تفضي إلى السياق والرسالة المظفرية ، والرسالة العامرية ، والهزلية ، وفيها يعتب ابن زيدون ويستعطف ، وفيها يسخر ابن زيدون منه سخرية بلغت في بعض أجزاء الرسالة حد الهجاء . ومن رسالة ابن زيدون الجدية في عتاب أبي الحزم بن جهور واستعطافه قوله : وامتدادي منه ، ومن أبقاه الله تعالى ماضي حد العزم ، ثابت عهد النعمة . وعطلتني من حلي إيناسك وأظمأتني إلى برود (1) إسعافك ، ونفضت في كف حياطتك ، وغضضت طرف حمايتك – بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلي لك ، وسمع الأصم ثنائي عليك ، ويؤتي الحذر من مأمنه ، ونالني ما حسبي به وكفى ! وما أراني إلا لو أني أمرت بالسجود لآدم" فأبيت واستكبرت 7) وقال لي نوح : « اركب معنا » فقلت : « سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، وأمرت ببناء الصرح لعلي أطلع إلى إله موسى ، ا فكيف ؟ ولا ذنب لي إلا نميمة" أهداها كاشح (۸) ، ونبأ" جاء به 6 (۲) ، والواشون الذين لا يلبثون أن فاسق الممتازون المشتاءون بنميم ، وهم يصدعوا العصا (3) ، والغواة الذين لا يتر لا يتركون أديما (4) صحيحاً ، والسعاة الذين ذكرهم الأحنف بن قيس فقال : «ما ظنك بقوم الصدق' محمود" إلا منهم ) . حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهـب والله ما غششتك بعد النصيحة ، ولا انحرفت عنك بعد الصاغية (5) ، ولا نصبت لك بعد التشيع فيك ففيم عبث الحفاء بأذمتي (6) وعات العموق' في مودتي ؟ وتمكن الضياع" من وسائلي ؟ ولم مذاهبي ، وأنتي غلبني المغلب ؟ وفخر علي العاجز 6 ضاقت وتدركني ولما أمزق ؟ (۸) . الخ ، . . الفاحش غلطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الساقط سقوط الذباب على الشراب ، المتهافت تهافت الفراش إلى الشهاب ، فإن العجب أكذب ، ومعرفة المرء نفسه أصوب مرسلاً خليلتك مرتادة ، كاذباً نفسك أنك ستنزل عنها إلي ، وتخلف بعدها علي" : ولا شك أنها قلتك إذ لم تضين بك ، والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه (۳) ! قاطعة أنك انفردت بالجمال ، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه ! وأن قارون أصاب بعض ما كنزت . .. وأن إياس 7) ابن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك ، وسحبان" إنما تكلم بلسانك . وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك ، وقتيبة (8) فتح ما وراء النهر بسعدك ، والمهلب (9) أوهن شوكة الأزارقة بأيدك ، وفرق" ذات بينهم بكـيـدك . وأن أفلاطون أورد" على أرسطـطاليس " ما نقل عنك » . الخ وكانت إنما حلتك بحلاك ، ووسمتك" ب ، وحسن ولم تكن كاذبة" فيما أثنت به عليك ، طويل العنق والعلاوة (3) مفرط الحمق والغباوة ، بغيض الهيئة ، سخيف الذهاب والجيثة ، منتين الأنفاس ، وحديثك غمغمة ، وبيانك فهفتهة ، وغناك(5) مسألة ودينك زندقة ، وعلمك مخرقة : (6) معان ، ما أمهرن" إلا بالطلاق ۷) . الخ رأينا تأثر أصحابها بأساليب كتاب المشرق . فابن برد وابن خاقان كلاهما متأثر بأسلوب ابن العميد وتلاميذ مدرسته الكتابية ، من أمثال الصاحب بن عباد ، وأبي بكر الخوارزمي ، وابن زيدون يقفو غالباً أثر الجاحظ في أسلوبه ، ولسان الدين بن الخطيب ينحو منحى القاضي الفاضل في أسلوبه ومن الممكن إدراك أهم الخصائص الأسلوبية لهؤلاء الكتاب الأندلسيين من واقع النموذج الذي اخترناه لكل واحد منهم . فأسلوب أبي حفص بن برد الأصغر في رسالته يتميز بسهولة الألفاظ وحسن وإن كان السجع هو الغالب . وقصر الحمل ، وتجسيم المعاني عن طريق الاستعارة ، والمراوحة بين السجع والازدواج، مع التنويع فيها بين الخبرية والإنشائية ، واستخدام صبغ الدعاء ، والتزام السجع ، والاستعانة ببعض أنواع البديع الأخرى كالجناس والطباق . الدعاء وصيغ الحمل بين الخيرية والإنشائية ، والتزام السجع ، واستخدام التشبيه والجناس ، وأسلوب لسان الدين بن الخطيب يلتقي مع أسلوب ابن خاقان في تنوع الإكثار منها ، ثم يفترق عنه في طول الرسائل إلى حد الإملال ، والإكثار من الاستعارات والكنايات ، والجمع بين شعره ونثره في رسالة واحدة ، وتعدد النعوت للشيء الواحد ، واستخدام حروف الجر متتابعة متغايرة، واستقصاء أجزاء المعنى ، كذلك يلتقي الأسلوبان في دمائة الألفاظ وعذوبتها ، وفي غزارة المعاني ، وبين الخبر والإنشاء ، ثم ينفرد أسلوب ابن زيدون بعد ذلك بالاكثار من الإشارات التاريخية ، و تضمين الأمثال والأشعار . نم يزيد عليها في التشبيهات والاستعارات ، السخرية التي تستخرج أشد الضحك ، المقذع لابن عبدوس . والواقع أن هذه الرسالة تذكرنا برسالة « التربيع والتدوير ، وهو احمد بن عبد الوهاب . فهو فيها يهزأ بجسمه ، وهي تدل على علم واسع بأحداث التاريخ ، وقد يكون من هنا أن نورد بعض فقرات من رسالة « التربيع والتدوير ، 1) (1) ' عتيق الوجه 6 و كان أحمد بن عبد الوهاب مفرط القصر ، وهو في ذلك يدعي السباطة" (3) والرشاقة ، و وأنه . ، أخمص (5) البطن ، معتدل القامة ، نام العظم ! . عادي القامة ، والسعة في العلم ! وكان كبير السن ، وهو يدعي أنه معتدل الشباب ، حديث الميلاد وكان ادعاؤه لأصناف العلم على قدر جهليها بها ، للإبانة عنها ، كلفاً بالمجاذبة ! . وأبدي صفحته للحاضر والبادي ، وتألف جهله ، وليسأله عنها كل من كان في مكة ليكفوا عنا من غـربه ، وكرامته لك و بسم الله الرحمن الرحيم » . أطال الله بقاءك ، . قد علمت ـ حفظك الله ـ أنك لا تحسد على شيء حسدك على حسن القامة ، وعلى طبيب الأحدوثة ، وإنما يحسد أبقاك الله المرء شقيقه في النسب ، ونظيره في الحوار على طارف خصائصال التي بها تكلف قدره ، أو تالد حظه وأنت تزعم أن هذه المعاني خالصة لك ، مقصورة عليك ، ولا تحسن إلا ً فيك ، وأن لك الكل وللناس البعض ، وأن لك الصافي ولهم المشوب ، هذا سوى الغريب الذي لا نعرفه ، والبديع الذي لا نبلغه (۲) » . وقد كان أبو حفص بن برد الأصغر أسبق من ابن زيدون في تأثره بأسلوب الجاحظ التهكمي الساخر ، ويظهر هذا التأثر عنده في رسالتين من رسائله الإخوانية هما : « رسالة في النخلة » ورسالته التي سماها « بالبديعه » وفيما يلي فقرات منها توضح تأثره بالجاحظ في تهكمه وسخريته . قال عنه ابن برد : وقد سألناك من - ن لكم ب « أما بعد : جعلك الله من المؤثرين على أنفسهم والموقين شحتها و المنجزين لمواعيدهم والمعطين صدقتها . فقد علمت ما سلف لنا في العام الفارط من عتابك ، ولبسنا شكته من ملامك ، لما كتمتنا صرام (1) النخلة التي هي بأرضنا إحدى الغرائب ، وفريدة العجائب ، هرباً من أن نلزمك الإسهام في رطبها ، وحرصاً على تمام لذة الاستبداد بها ، وقلت ، ولكنها إن شاء الله في العام الآنف غلتكم ، عتاد نفيس لكم ، وذخر حبيس عليكم » وأسلمتها إلى يد البيلى حتى إذا أخذت النخلة زخرفتها ، وازينت زينتها ، وبلغت غايتها ، وأشبع القمر صبغتها ، ومشيت نحوها الجهر بحرابك ، وغفلت الحارة والجار ، وتحكمت فيها تحكمه في عنيزته ! والجني من بكثر النخيل الخيبة ، فركضنا الهماليج (٢) إلى حرمتك ، وجعلنا نشتد طمعاً في لقائك. هزت جوانحنا ذكر العدة (1) ، وقلقل أحشاء نا حذر ‏D والخطاب وعلى هذا النحو يمضي ابن برد في تصويره الساخر ، حتى يأتي على ذكر حديث الرسول القائل : « نعمت العمة لكم النخلة ، فيعلق عليه بقوله : لجميع المسلمين . وأنت قد استوليت على عمة من عماتهم تستبد بخيرها دونهم ، وتمسك معروفتها عنهم . ونحن رجال" من بني أخيها ، فإن أنت سويتنا مع نفسك فيما تدر به عليك ، وتملأ منه يديك ، وإلا ً نافرناك (4) إلى السلطان ، وألبنا (5) عليك أبناء الزمان . • أما «البديعة » رسالة ابن برد الثانية، فهي في تفضيل أهب (۸) الشتاء على ما يفترش من الوطاء ، نابن برد في رسالته « البديعة » يرد على من عابه باستعمال جلود الشتاء (9) بأسلوب أشبه بأسلوب الجاحظ في الرد على من عاب سهل بن هارون بشدة (۱) الحرص والتدقيق في التدبير وإنفاق المال