جماليات الشكل والمضمون أن العلاقة بين الشكل والمضمون علاقة تبادلية يمكن وصفها بالوطيدة دون انفصال بينهما ، أو بين الشكل والمحتوى كما تشير بعض الدراسات ولعل ( أرسطو ( هو أول من أشار لهذا الموضوع ، ويرى بعضهم أن الشكل هو جوهر الدوافع وبهذا يحقق الكمال ، ذلك أن كل ما هو في هذا العالم مزيج من الشكل والمادة ، وكلما قل الشكل قل الانغماس في المادة ، ولعل أولئك المفكرون استنهضوا أفكارهم على أساس شكل المواد في الطبيعة كالماس واللؤلؤ أو البلورات بوصفها تتكون من ذرات تسعى لأن تصب في مجرى الكل لمتكامل ، وان الطبيعة تفرض هذه التغيرات بصورة تدريجية حتى انتظام شكلها النهائي ، وعلى وفق ما تقدم فهي ليست شيئا جديدا نهائيا تم صنعه ، كما هي بالذات ليست فكرة ، لكنها ليست من إبداع الفنان ، غير أنها ليست الجوهر أو الفكرة أو المضمون والمحتوى ، حتى وأن وصلت حد الكمال . وان لهذا المضمون لابد أن يكون له شكلا يؤطره ، فلو منحنا أثنين من الفنانين أو الشعراء موضوعا واحدا ، فسنحصل على تفسيرين يجعل عمل كل منهما مختلفا عن الأخر ، كما نحصل على شكلين مختلفين أيضا . فكل شيء هنا يتوقف على وجهة نظر الفنان أو الأديب وحده ، ومن هنا يمكن أن نحدد بأن لكل مضمون شكلا يحدده بوصفهما وحدة عضوية واحدة . فالشكل هو الإطار الخارجي للمضمون ، والمضمون أو المحتوى هو الفكرة أو الثيمة أو الموقف الإدراكي والحسي للفنان أو الأديب ، فالقصيدة لها شكل غير أن مضمونها شيء أخر ، واللوحة لها شكل يدل على مضمون أو فكرة، والتصميم له شكل يدل أو يرمز إلى مضمون أو ثيمة ، وكذلك المنظر المسرحي فهو شكل له وظيفة أشارية أو دلالية أو وضيفة علاماتية تدل على محتوى ومضمون الدراما نفسها ، وبهذا تصح المقولة الجمالية أن لكل محتوى أو مضمون شكلا يحدده كما أن لكل شكل مضمون يدل عليه. ربما يكون الشكل المطروح مصنوع من خامات متعددة لينه أو صلبة أو سائلة أيا كان هذا الشكل فهو شكل محدد بأبعاد وقياسات رياضية وله وزن وكتلة وإزاحة في الفضاء أو الوسوع التكعيبي على مستوى القياس ، وان هذه الكتل تتراص مع بعضها بعلاقات تصميمية مهمة لكي تكون تكوينا محددا ، وهي بكل هذه الصفات تلتزم بنظام قائم على الوحدة والإيقاع واللون والمساحة وتداخل الخطوط الأفقية والعمودية ضمن نظام قائم على الاتزان والمماثلة يبعث على الارتياح ويسر الناظر بانسجام وحداته ، كما انه في ذات الوقت ينطوي على محتوى أو مضمون ، ومن هنا صار للشكل أهمية بالغة في علم الجمال الفني على اعتبار أن معظم النتاجات الفنية التي تتصل بالجانب البصري تنطوي على هذه المعادلات الشكلية وتبلغ الأهمية التصميمية في أنجاز الشكل المطلوب ، فضلا عن أن الشكل على مستوى الانجاز يتطلب تداخل قنوات مهمة كالضوء والظل واللون والمساحة والحجم في تناسبها مع الفضاء ، إنما هي تعبير غني عن نظرة الفنان إلى العالم أو المجتمع ، فنقول شكل تعبيري أو رمزي أو واقعي أو طبيعي أو معاصر ، وقد تطورت الأشكال البسيطة صعودا نحو الأشكال التي تزداد تعقيدا . في محاولة لابتداع كم لا يحصى من الأشكال المعبرة ذات القيمة والفائدة ، أو أن لها غاية محددة تشير إليها أو ترمز لها ، وللسبب ذاته أصبح الشكل يستند على المادة أو الخامة فتنوعت بذلك الخامات واتخذت لنفسها أشكالا معبرة ، ومن هنا يمكن القول أن مرجعية الشكل هي الخبرة الإبداعية للفنان ذاته أما فنون ما بعد الحداثة فقد اتخذت لنفسها مسارا أخر في تعاملها مع الأشكال ، فتحول الشكل في بعض الأحيان إلى تنوع في توظيف الخامة من مواد و خامات شبه واهنة ربما من خيوط أو حبال أو مواد بلاستيكية تتصف بالشفافية أو المفردات البسيطة أو استخدام الشاشات والستائر الضوئية ، للمحافظة على وحدة التزامن قائمة طوال العرض ، وعلية فإن الأشكال ينبغي أن تتحطم حينما تكتمل بالكلية ، أما الطرف الأخر في هذه العلاقة فإنه يتمظهر في المضمون الذي حدده الشكل مسبقا ، إلا أن الشكل هو من يدل علية ، وبتفاعل الذات والموضوع يبدأ المتلقي بمتابعة خصائص الشكل وصولا للمضمون عن طريق التأمل والإحساسات المنبعثة من الشكل أو الرموز والدلالات التي حددها الشكل بوصفها كودات تؤدي إلى معنى ، فالشكل عياني ظاهر غير أن المضمون على الدوام مستتر مخفي تحت مساحة الشكل ، أو قد يكون المضمون فكرة اجتماعية تبحث عن محتوى اجتماعي لحل مشكله أو طرح بدائل ، وربما يتنامى هذا المحتوى إلى محتوى سحري أو طقسي أو ميتافيزيقي ، ذلك أن القيمة الفكرية أو المحتوى في العمل الفني لا تكفي وحدها لأن تكون عملا فنيا ما لم توضع أفكارها في قالب فني معين ، بوصفها شكل أو حدث أو موقف ، لذلك فأن المحتوى يقتضي وجود شكل يلملم شتات الفكرة ويجعلها تصب في بدوقة واحدة ، كون الفن لغة تخاطب عقول الناس ، وأيا كان الأمر فإن الأهمية تتأتى في الكيفية والقدرة على تجسيد الفكرة ضمن تشكلات الشكل طومن البديهي أن يكون أن يكون المحتوى صوتا أو لحنا أو لونا أو كلمات ، وكل أفكار متميزة تحت هذا القالب هو المحتوى أو المضمون . ومن هنا صار هناك اختلافا لكل مضمون بين فنان وأخر وأديب وأخر " فهناك فرق بين جمال التعبير وبين قوة التعبير - الجمال يسر الحواس في حين أن القوة تسري إلى ما هو أعمق من الحواس أنها تهز النفس " (٢) . كما أنها تهز الفكر وتنشط الذهن ، ذلك أن الفن يستخرج الصور الفنية من المادة التي يتعامل معها بوصفها شكل في الجانب السمعي قد لا يختلف الأمر فإن شكل الآلة الموسيقية أو نوعها هو الشكل لكن إصدار اللحن من هذه الآلة هو المضمون ، ولعل هذه الآلة رغم توحد شكلها إلا أن لكل فنان قدراته الإبداعية في أنتاج اللحن ، أن العازف هنا يستنطق الآلة لإخراج اللحن بحيث أنها تهز مشاعرنا وكذلك فإن القصيدة شكل لكن إلقاء الشاعر واستخدامه للمفردات اللغوية والصورة الشعرية بانتقائية عالية يثير فينا الإحساس بلذة لكونه يحرك مشاعرنا ،