إنّ من أهم الأدوار الّتي يقوم بها الْمُعلِّم هو بناء شخصيات طلابه، أولئك الّذين ينظرون إليه على أنّه مثلهم الأعلى. ولهذا على المعلّم أن يكون قدوة صالحة لطلّابه، فها هي أمّ الإمام مالك توصي ابنها بأن يطلب الأدب من معلّمه قبل أن يأخذ العلم منه لِمَا للأدب من أهمية على طالب العلم في سلوكه مع نفسه ومع ربّه ومع الناس. فإنّه لمّا طلب العلم وذَكَرَ لأمّه أنّه يريد أن يذهب فيكتب العلم، ثمّ قالت: اذهب فاكتب الآن. وقال رحمه الله: كانت أمّي تُعَمّمني وتقول لي: “اذهب إلى رَبِيعَةَ فتَعَلَّم من أدبه قبل عِلْمِهِ”. والقدوة عامل مهمّ في صلاح المتعلّم أو فساده، ولا يجب أن يكون بمعزلٍ عن الأمّة والمجتمع. وهذا ما يدعوه إلى الحرص على نقاء سيرته، فلنَغرِس في قُلُوبِ أبنائِنا تقديرَ المُعلِّم وإجلالَه، وعلى هذا سارَ سلَفُنا الصّالِحُ رضي الله عنهم: فهذا ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما كان يأخُذُ بخِطام ناقَةِ مُعلِّمه زَيدِ بن ثابِتٍ ويقول: “هكذا أُمِرنا أن نفعَلَ بعُلمائِنا وكُبَرائِنا”. وقال الإمامُ أبو حَنِيفَة: “ما مَدَدتُ رِجلِي نحوَ دارِ أُستاذِي حمَّاد إجلالًا له، ومع الأسف فإنّ مجتمعنا لم يعط المُعلِّم حقَّه، كما أنّ نظرة المجتمع إلى التّعليم، وأن نغرِس في أذهان الجميع أنَّ التَّعليم هو أشرف عمل يقوم به الإنسان؛ فهو عمل الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام، ولعلَّ في تجربة اليابان وما وصلت إليه من تقدُّم تقنيٍّ وحضاري بعد أن خرجت من الحرب العالميَّة الثانية مدمّرةً مهزومةً، فقد سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فموقع المُعلِّم عندَهم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، بحيث يسبق بذلك وزراء ونوَّابًا وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم، وهذا ما يفسِّر سرَّ نهضة وتفوُّق اليابان العلمي. فيقولون: “اجعل المسافة بينك وبين المُعلِّم سبعَ خطوات،