من حكايات العرب المشهورة أنّ حصن بن زرارة لما ضاقت به المعيشة وبقومه، ارتحل إلى مكان قريب من حدود البلاد الفارسية، وطلب منهم ما يضمن ذلك له فقال حصن: أرهنك قوسي. فعجب من حول الملك لضآلة القوس وقلة شأنه. ولكنّ كسرى كان عارفا بالرجل وبعادات العرب، فقبل منه القوس رهناً، فما الذي حمله على قبول قوسه؟ لأنهّ انضمّ إلى رهن القوس ذمّة الرجل ووعده، والفرق بينهما أنّ التوقيع على العقد يلزم به القانون، والنطق بالكلمة يلزم به الشرف. وهناك نوع آخر من الشرف، فالدنيا مملوءة بالضعفاء كالفلاح المسكين الذي لا يجد ما يأكله، هؤلاء الضعفاء يحتاجون إلى المعونة لسد حاجتهم، وهناك أنواع أخرى من أنواع الشرف، فإذا ائتمنت على سرّ ولم تبح به فهذا شرف، وإذا ضغطت عليك الحوادث لتسير سيرا معوجاّ لا يتناسب والخلق السامي فأبيت إلا أداء الواجب مهما ضحيت في سبيله فهذا شرف، وإذا كانت كلمة الحق تَهدّدك في منصبك أو مالك فقلتها ولم تبال بالعواقب، إذا فيجمع الشرف كلمة واحدة، هي أن تحافظ على الكلمة التي تصدر منك، وعلى واجبك تؤديه على الرغم من كل شيء.