المبحث الاول : مفهوم النظام الشبه الرئاسي مع استعراض أبرز خصائصه ومكوناته الأساسية التي تجعله نموذجًا فريدًا في تصنيف الأنظمة السياسية المعاصرة. كما سيتم التطرق إلى الأصول التاريخية لهذا المفهوم وتطوره في الأدبيات السياسية -المطلب الاول : تعريف النظام الشبه الرئاسي و خصائصه يُعد النظام شبه الرئاسي نمطًا من أنماط الحكم الديمقراطي الحديثة التي تجمع في بنيتها المؤسسية بين خصائص النظامين الرئاسي والبرلماني. هذا التوزيع المزدوج للسلطة التنفيذية هو السمة المميزة الأساسية التي تفرق النظام شبه الرئاسي عن النظامين الرئاسي و البرلماني لقد حظي النظام شبه الرئاسي باهتمام العديد من الفقهاء والباحثين في مجال العلوم السياسية الذين سعوا إلى تعريفه وتحديد خصائصه المميزة. وقد عرفه بأنه النظام الذي يجمع بين رئيس دولة منتخب بالاقتراع العام المباشر يتمتع بصلاحيات واسعة، ورئيس حكومة مسؤول أمام البرلمان. وقد استند دوفرجيه في تعريفه بشكل أساسي إلى النموذج الفرنسي للجمهورية الخامسة. حيث أكد على وجود رئيس دولة منتخب بالاقتراع العام المباشر يتمتع بصلاحيات دستورية كبيرة (وإن لم يكن بالضرورة صلاحيات تنفيذية كاملة)، ورئيس حكومة يعتمد على ثقة البرلمان. وقد ميز سارتوري بين "الأنظمة الرئاسية ذات الأغلبية البرلمانية" و"الأنظمة شبه الرئاسية الحقيقية". خصائص النظام الشبه الرئاسي: بالإضافة إلى وجود رئيس دولة منتخب مباشرة ورئيس حكومة مسؤول أمام البرلمان، ازدواجية السلطة التنفيذية: يتقاسم الرئيس ورئيس الوزراء السلطة التنفيذية، مما يمنحه شرعية شعبية قوية. في بعض الأنظمة، قد يكون الرئيس هو المسؤول الأول عن السياسة العامة (كما في النموذج الفرنسي)، قد يكون دور الرئيس أكثر رمزية (كما في بعض المراحل في فنلندا). الجذور الأولى: إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى وجود نماذج أولية أو عناصر مشابهة في أنظمة حكم سابقة. فإن النظام شبه الرئاسي بشكله الحديث يتميز بانتخاب رئيس الدولة مباشرة من قبل الشعب، وهو ما يميزه عن الأنظمة الملكية. وذلك من خلال الجمع بين رئيس دولة قوي منتخب مباشرة يتمتع بصلاحيات واسعة، انتشار النموذج: بعد التجربة الفرنسية، كما انتشر هذا النموذج إلى بعض الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث كان هناك سعي لتحقيق توازن بين السلطات وتجنب تركز السلطة المطلقة في يد فرد واحد أو جهة واحدة. لم يبق النظام شبه الرئاسي نموذجًا ثابتًا، فقد شهدت بعض الدول تعديلات دستورية أثرت على توزيع السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء. على سبيل المثال، في بعض الأنظمة، و للتوضيح اكثرر لقد نشأ النظام شبه الرئاسي استجابة لحاجات سياسية محددة، وقد تطور هذا النموذج وانتشر ليصبح أحد الأنماط الرئيسية للحكم الديمقراطي في العالم، مع تنوع كبير في تطبيقاته يعكس السياقات التاريخية والسياسية والثقافية المختلفة لكل دولة. فهم هذه النشأة والتطور ضروري لفهم الديناميكيات المعاصرة للنظام شبه الرئاسي وتحدياته. -المطلب الثالث : انواع النظام الشبه الرئاسي على الرغم من أن النظام شبه الرئاسي يتميز بوجود رئيس دولة منتخب مباشرة ورئيس حكومة مسؤول أمام البرلمان كخاصيتين أساسيتين، بل يتضمن مجموعة متنوعة من الأنواع أو النماذج التي تختلف في توزيع السلطات والنفوذ بين الرئيس ورئيس الوزراء. وقد سعى العديد من الباحثين إلى تصنيف هذه الأنواع بناءً على معايير مختلفة. حيث ميز بشكل أساسي بين نوعين: الأنظمة شبه الرئاسية ذات الرئيس القوي: في هذا النوع، يتمتع الرئيس المنتخب مباشرة بصلاحيات تنفيذية حقيقية ويمارس تأثيرًا كبيرًا على السياسة العامة. يُعتبر النظام الفرنسي للجمهورية الخامسة مثالًا كلاسيكيًا لهذا النوع. يكون دور الرئيس أكثر رمزية أو احتفاليًا، يُنظر إلى النظام الفنلندي في بعض المراحل من تاريخه كمثال على هذا النوع و يتضمن النظام شبه الرئاسي تنوعًا في تطبيقاته و من بين الدول نذكر مايلي : 1. الجزائر: على الرغم من وجود بعض الخصائص التي تميزه. يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة تشمل: يرأس مجلس الوزراء. يحل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) في حالات معينة. يعين ويعفي كبار المسؤولين في الدولة. رئيس الوزراء (يُسمى حاليًا الوزير الأول): يعينه رئيس الجمهورية، البرلمان: يتكون البرلمان الجزائري من غرفتين: يمارس المجلس السلطة التشريعية ويراقب عمل الحكومة ويمكنه سحب الثقة منها. ويعين الثلثان الآخران من قبل رئيس الجمهورية. كان النظام السياسي الجزائري يميل نحو تركز السلطة في يد رئيس الجمهورية. ومع ذلك، - يمكن تصنيف النظام الجزائري كنظام شبه رئاسي يميل نحو النموذج الرئاسي المهيمن، ومع ذلك، فإن وجود وزير أول مسؤول أمام البرلمان يمثل عنصرًا برلمانيًا هامًا في هذا النظام. كما يرأس الرئيس مجلس الوزراء (خاصة عندما تكون الأغلبية البرلمانية من نفس توجهه السياسي)، ويدعو إلى الاستفتاءات. رئيس الوزراء: يعينه الرئيس وهو مسؤول أمام الجمعية الوطنية (البرلمان). يقود رئيس الوزراء الحكومة ويشرف على الإدارة اليومية لشؤون الدولة وينفذ القوانين. حيث يكون الرئيس ورئيس الوزراء من أغلبية سياسية مختلفة في البرلمان. ومع ذلك، 4. النموذج البرتغالي: الرئيس: يُنتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر لمدة خمس سنوات. رئيس الوزراء: يعينه الرئيس بعد الأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات البرلمانية، ديناميكيات السلطة: يُعتبر النظام البرتغالي عمومًا نظامًا شبه رئاسي يميل نحو النموذج البرلماني (premier-presidential). ومع ذلك، تم تقليص صلاحيات الرئيس بشكل كبير. يُنتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر لمدة ست سنوات. يحتفظ الرئيس ببعض الصلاحيات الهامة في السياسة الخارجية بالتعاون مع الحكومة. تطور النظام الفنلندي ليصبح نموذجًا شبه رئاسي يميل بشكل كبير نحو النموذج البرلماني. رئيس الوزراء هو الشخصية التنفيذية الرئيسية، 6. نماذج أخرى: روسيا: يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة جدًا، وحل البرلمان في حالات معينة، يعتبر النظام الروسي نظامًا شبه رئاسي يميل بقوة نحو الرئيس. أوكرانيا: شهدت أوكرانيا تقلبات في توزيع السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء عبر التعديلات الدستورية والأحداث السياسية. كان الرئيس يتمتع بصلاحيات كبيرة، بينما في فترات أخرى كان دور رئيس الوزراء أكثر أهمية. بولندا: يتمتع الرئيس بصلاحيات معينة في مجالات السياسة الخارجية والدفاع وتعيين بعض المسؤولين، رومانيا: يشبه نظامها إلى حد كبير النموذج الفرنسي، بعد أن تناول المبحث الأول مفهوم للنظام شبه الرئاسي، -المطلب الاول : دور رئيس الدولة بصفة عامة، يمكن تحديد دور رئيس الدولة في النظام شبه الرئاسي من خلال عدة جوانب: 1. الدور الرمزي والتمثيلي: و تتمثل في : رأس الدولة: يقوم الرئيس بتمثيل الدولة في الداخل والخارج، حارس الدستور: في العديد من الأنظمة شبه الرئاسية، 2. الصلاحيات التنفيذية: تتفاوت الصلاحيات التنفيذية التي يتمتع بها الرئيس بشكل كبير بين النماذج المختلفة للنظام شبه الرئاسي. تشمل بعض الصلاحيات ما يلي: وعادة ما يتم هذا التعيين بعد استشارة الأغلبية البرلمانية. قد يكون للرئيس أيضًا سلطة إقالة رئيس الوزراء، مثل النموذج الفرنسي، خاصة عندما تكون الأغلبية البرلمانية من نفس توجهه السياسي. إصدار المراسيم والقرارات التنفيذية: قد يكون للرئيس سلطة إصدار مراسيم أو قرارات تنفيذية لتطبيق القوانين أو تنظيم بعض الجوانب الإدارية. المشاركة في تحديد السياسة الخارجية: يحتفظ الرئيس عادة بدور هام في تحديد السياسة الخارجية للدولة وتمثيلها على الصعيد الدولي. مثل: الدعوة إلى الاستفتاء: قد يكون للرئيس الحق في الدعوة إلى استفتاء شعبي حول قضايا معينة. قد يتمتع الرئيس بحق الاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان، إلقاء الخطابات أمام البرلمان: يمكن للرئيس أن يلقي خطابات أمام البرلمان لتوجيه رسائل سياسية أو اقتراح أجندات تشريعية. مثل: منح العفو أو تخفيف العقوبات: قد يمتلك الرئيس سلطة منح العفو أو تخفيف العقوبات عن بعض المدانين. 5. دور الرئيس في أوقات الأزمات: في حالات الطوارئ أو الأزمات الوطنية، -المطلب الثاني : دور رئيس الوزراء يُعد الوزير الاول الشخصية الرئيسية الثانية في السلطة التنفيذية في النظام شبه الرئاسي، ولكن هناك بعض الجوانب المشتركة التي تميز هذا الدور: يُعتبر رئيس الوزراء رأس الحكومة وقائدها، هذه المسؤولية البرلمانية هي السمة الأساسية التي تميز النظام شبه الرئاسي عن النظام الرئاسي. 3. قيادة مجلس الوزراء: يقوم بتعيين الوزراء (عادة بالتشاور مع الرئيس أو بموافقته) ويشرف على عملهم. 4. تنفيذ القوانين والسياسات: تُناط برئيس الوزراء مسؤولية ضمان تنفيذ القوانين التي يقرها البرلمان والسياسات العامة التي تقررها الحكومة. 5. إدارة الشؤون اليومية للدولة: يقدم تقارير دورية إلى البرلمان حول أداء الحكومة وخططها المستقبلية. 6. العلاقة مع الرئيس: تتسم العلاقة بين رئيس الوزراء والرئيس في النظام شبه الرئاسي بالتعقيد . في الحالات التي ينتمي فيها الرئيس ورئيس الوزراء إلى نفس المعسكر السياسي، قد يركز الرئيس على مجالات معينة مثل السياسة الخارجية والدفاع، يتعين على الوزير الاول والوزراء حضور جلسات البرلمان للإجابة على أسئلة النواب والدفاع عن سياسات الحكومة يُعد البرلمان (أو السلطة التشريعية) ركنًا أساسيًا في النظام شبه الرئاسي، حيث يمثل صوت الشعب ويقوم بوظائف حيوية تضمن التوازن بين السلطات والرقابة على عمل الحكومة. لكن هناك أدوار ومهام رئيسية يشترك فيها البرلمان في معظم هذه الأنظمة: 2. الرقابة على السلطة التنفيذية: يضطلع البرلمان بدور هام في الرقابة على عمل السلطة التنفيذية، تتضمن آليات الرقابة ما يلي: الأسئلة والاستجوابات: يحق لأعضاء البرلمان توجيه أسئلة واستجوابات إلى رئيس الوزراء والوزراء حول سياسات الحكومة وأدائها، مما يجبر الحكومة على تقديم التوضيحات والرد على التساؤلات. مما يؤثر على توجهات الحكومة وقراراتها. 3. تمثيل الشعب: يمثل أعضاء البرلمان دوائرهم الانتخابية ويعبرون عن آراء ومطالب المواطنين. 4. السلطة المالية: يلعب البرلمان دورًا مركزيًا في الموافقة على الميزانية العامة للدولة، مما يمنحه سلطة رقابية هامة على الإنفاق الحكومي. يشارك البرلمان في عملية تعديل الدستور،