وإذا كان للصحابة هذه المنزلة فلا عجب أن يكونوا مصابيح الدجا، ومنارات تضيء طريق السائرين إلى ربهم، والمناقب العلية من هدى الصحابة الكرام يعجز القلم عن حصرها، وسيرتهم العطرة وحياتهم المنيفة في الأخلاق والسلوك كثيرة الهدف من الالتزام بالأخلاق عند المسلم هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي بتاتًا أن يكون هدفه مدح الناس له؛ وكذلك لا ينبغي للعاقل أن يكون هدفه من وراء ذلك الكسب المادي فقط، والإسلام أيضاً يهدف إلى بناء مجتمع يقوم على التراحم والتعاون والإيثار وحب الخير للناس، من خلال علاقات حسنة مع الوالدين والأبناء، بل يتعدى ذلك إلى الحيوان والجماد، فالإسلام -بحمد الله تعالى- يهدف إلى حمل المسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، بعد أن تبيّن لك هدف الأخلاق، إليك جملة من النصوص الدالة على أهمية الأخلاق، 1 - امتثال أمر الله سبحانه: كثيرة هي الآيات القرآنية التي تدعو العاقل إلى امتثال أمر الله سبحانه في الأخلاق، قال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6]. وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحجرات: 11: 12]. ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها مَا كَانَ النبِي - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيتِهِ؟ قَالَت: كَانَ يَكُونُ فِي مِهنَةِ أَهلِهِ -تَعنِي خدمَةَ أَهلِهِ- فَإِذَا حَضَرَت الصلاةُ خَرَجَ إِلَى الصلاةِ" (1). وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمثتل أمر الله تعالى في كل شأنه قولًا وعملاً، 2 - أنها طاعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: عن أَبي ذر رضى الله عنه قال: قال لي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (اتِّقِ اللهِ حَيثُمَا كنتَ، وَأَتْبع السَّيئةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنِ" (2). 3 - أنها سبب لمحبة الله تعالى: قال الله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]. وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]. وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]. وعن أُسامة بن شَرِيك رضى الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن على رؤوسنا الطير، 4 - أنها سبب لمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أحَبّكمْ إليّ، أحاسِنَكم أخلاقًا" (2). 5 - أنها من أعظم أسباب دخول الجنة: عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سُئلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يُدخِلُ الناس الجنةَ؟ فقال: "تقوى الله وحُسنُ الخُلُقِ"(3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مرَّ رجلٌ بغُصنِ شجرةِ على ظهرِ طريقِ، والنصوصُ في حُسن الخُلق كثيرة، منها: أنَّها دليل كمال الدين (1)، الترهيب من الأخلاق السيئة] وفي المقابل جاءت النصوص من الكتاب والسنة بالترهيب من الأخلاق السيئة، وذم العاملين بها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات1 وقال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ(4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)} [المطففين1: 5]. وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} [الهمزة: 1]. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ليس المؤمن بالطعَّان، وللحافظ الذهبي كتاب في "الكبائر"، ولأبي الشيخ الأصبهاني كتاب في ذم مساوئ الأخلاق سماه "التوبيخ والتنبيهُ"، ومن العلماء من أفرد بعض الأجزاء في ذم نوع من الأخلاق السيئة كالإمام ابن عساكر في "ذم قرناء السوء" وفي "ذم من لا يعمل بعلمه"، الثمرات المستفادة من دراسة الأخلاق؟] عندما ندخل في علم أو تدريس فن من العلوم، فلا يجوز أن تُعلم إنسانًا شيئًا إلا إذا عرفته الثمرات المستفادة منه. أن يكون ذا خلق كامل زكي النفس، فالله سبحانه ما أنزل كتابه وتشريعه إلا لتربيتنا وتعليمنا وإيصالنا إلى مرتبة عالية من الأخلاق. قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} [الشمس9: 10]. وهذا يدل على أن الفلاحَ إنما هو تزكية النفس، وجميع الأعمال الصالحة من صلاةِ وغيرها إنَّما هي لزكاة النفس وتطهيرها، فالاعتراف بأن اللهَ إلهٌ واحدٌ هذا من الخلق الرفيع، فإذا نظرنا إلى المعاملات أيضاً، ولذلك كان غاية الدين التزكية، وتَعلم العلم غايتهُ العمل الصالح والأخلاق الرفيعة،