أولا: النظرية الفطرية: Nativistic Theory اللغة عبارة عن نظام يتمثل في النظام الصوتي والنظام النحوي والنظام الصرفي والنظام الدلالي. ومع ذلك يبقى سؤال مهم يحتاج إلى إجابة دقيقة وهو كيف يتفوه الطفل بجمل من الواضح أنه لم يسمعها من قبل ؟ كيف نتصور مثلاً أن طفلاً في الثالثة أو الرابعة من عمره وهى المرحلة التي تكتمل فيها قدرة الطفل اللغوية يتمثل أو يقوم بدور النحوي أو اللغوي الذي يدرك أصول اللغة إدراكاً عقلياً نتيجة التعليم. إن الطفل في هذه السن ينطق بسيل من الجمل المبينة بناءاً نحوياً محكماً وهو يذهب إلى المدرسة وقد أتقن كلام بل أنه يستعمل اللغة استعمالاً تلقائياً دون جهد بعمليات قياس سابق على لاحق. وفى هذا الصدد ينطلق تشومسكي من أن الطفل يولد ولديه استعداد فطرى لاكتساب وتطوير اللغة، وأن الإنسان بحال من الأحوال مبنى مسبقاً تجاه تنمية اللغة، وبناء على ما يذهب إليه تشومسكي فإن كل إنسان يتعلم اللغة، لأن كل إنسان يمتلك قدرة فطرية تسمح له بتعلم اللغة، وهذه القدرة عامة بطبيعتها، بمعنى أنها تنطبق على جميع البشر في كل زمان ومكان، وهذه القدرة فطرية داخلية غير مكتسبة تميز الإنسان عن الحيوان، وهذه الآلية الداخلية يطلق عليها اسم جهاز اكتساب اللغة (LAD) (Language Acquisition device). إذن فالفكرة الأساسية التي توجه المنهج التوليدي هي سمة الإنتاجية في اللغة، التي بمقتضاها يستطيع المتكلم أن يؤلف ويفهم جملاً جديدة غير متناهية لم يسبق له أن سمعها من قبل، وهى السمة التي تميز الإنسان من الحيوانات، فإذا كان الأطفال قادرين على استخدام جمل جديدة يعدها الكبار سليمة في صوغها Well Formed فذلك يعنى أن هناك شيئاً آخر يتجاوز مجرد محاكاة الجمل التي سمعوها من الكبار، وهو أنهم يولدن بقدرة لغوية تمكنهم من ذلك. لذلك يعتقد تشومسكي أن نمو اللغة حالة مبدئية من النضج، وأن العامل البيئي الوحيد الضروري للطفل كي يتعلم اللغة هو أن يتعرض لبعض اللغة وبعبارة أخرى إن المعرفة بقواعد اللغة، أي قواعد كيفي تجميع الكلمات في جمل وعبارات ذات معنى، أي التركيب Syntax هي عملية بيولوجية الأساس. ويلفت تشومسكي الاهتمام إلى الأطفال على وجه الخصوص. فإنهم في سن الخامس مثلاً، يستطيعون أن ينطقوا كل يوم مئات من الجمل لم ينطقوها من قبل، ويستطيعون أن يفهموا ما يقال لهم من كلام لم يسبق لهم أن سمعوه ومعنى ذلك أن هناك أصولاً عميقة في التركيب الإنساني تجعله يتميز بهذه القدرة. ويستبعد تشومسكي أيضاً دور الأسرة حتى في تصحيح لغة الطفل ويرى أن دورها يقف عندما يسميه الدور التوسعي expansion حيث نرى البالغين يقومون عادة بترديد الجمل التي يتفوه بها الطفل، ولكن مع إدخال بعض التغيرات عليها بحيث يقربونها من الجمل التي تعادلها في لغتهم. ومن ثم تتجه لغة الطفل شيئاً فشيئاً إلى الاندماج في لغة الكبار ومن خلال ذلك يكتشف الطفل دون أن تقوم الأسرة بتصحيح كلامه بطريقة مباشرة، يكتشف النظم الخاصة بلغة الكبار على مستوياتها المختلفة وعلى ذلك يكون دور الأسرة هو تسهيل عملية اكتساب اللغة، وذلك من خلال عرض نماذج لها دون تلقين منهم أو تقليد من الطفل. ولقد قدم تشومسكي أساهماً خلاقاً في تفسير اللغة، سماه (القواعد التحويلية) للغة ويتلخص هذا الإسهام في أن الجمل اللغوية لها مستويان من البني والتركيب وهما: البناء العميق: (Deep Structure): ويمثل البناء العميق المعنى أو الفكرة التي تمكن وراء الكلمات في الجملة أما الجانب أو المستوى الآخر للفهم والذي يأخذ فترة ليتم تعلمه هو: البناء السطحي: (Surface Structure): والذي يمثل الجملة التي نراها تسير من كلمة لأخرى خلال الصفحة لذا تسمى نظرية تشومسكى بنظرية القواعد التحويلية. أي أن البناء العميق الذي هو نتاج قواعد تركيب العبارات يحتوى على كافة العلاقات النحوية الكامنة اللازمة لفهم الجملة، هو بدوره يجب أن يكون هو المدخلات إلى عنصر الدلالة أو المعنى، وبالمقارنة بهذا فإن البناء السطحي لكونه نتاج القواعد التحويلية، يحتوى فقط على المعلومات الصحيحة عن الترتيب النهائي للكلمات في الجملة الذي نحتاجه للنطق الفعلي للجملة وهو بالتبعية يكون المدخلات للعنصر الصوتي الذي يحتوى على قواعد لإصدار الأصوات الفعلية للكلمات. لذلك آمن تشومسكي بأن التشابه في اللغات يحدث في مستوى التركيب العميق في كل اللغات، بينما يحدث الاختلاف بين اللغات في المستوى السطحي وآمن تشومسكي أيضاً بأن الأطفال لديهم مجموعة من والقواعد الداخلية التي تسمح لهم بالتنقل من المستوى العميق إلى المستوى السطحي والعكس صحيح. وقد انتهى تشومسكي إلى عدة حقائق أساسية عن اللغة هي: • إن اللغة معقدة، وهى مهارة مميزة، تتطور تلقائياً داخل الطفل دونما جهد واع وتكون بنفس الكيفية داخل كل فرد. • إن الطفل يطور هذه القواعد المعقدة بسرعة وبدون تعليمات رسمية وينمو ليعطى ترجمات متماسكة لبناءات الجمل والتى لم يمتلكها من قبل. • إن الطفل لا يقوم بإنتاج اللغة فقط كما يسمعها، ولكن يقوم بإعادة بناء قواعد هذه اللغة. • أن كل جملة يتحدثها الفرد تكون عبارة عن تجمع جديد تماماً من الكلمات تظهر للمرة الأولى. وهو بذلك يرى أن الكلمات لا تحفظ عن ظهر قلب، واللغة لا يمكن أن تقلد ببساطة ثم توصف. وبذلك فالنظرية الفطرية تعنى باللغة كظاهرة متطورة مميزة للإنسان وأن اللغة سمة عالمية للإنسان، وأن القواعد فيها حقيقة ذهنية وأن الإنسان كائن مؤهل وراثياً لاكتساب اللغة وأن اللغة الحية هي التي نستطيع التفكير بها. وبذلك فالقراءة عند النظرية الفطرية عملية ذهنية والخطأ في القراءة يقاس بدرجة تباينه عن المعنى فهو مفارقة معنوية. ثانيا: النظرية السلوكية: Behaviorist Theory وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني ومن روادها " سكنر وسامبسون. وتفترض النظريات السلوكية عامة أنه ينبغي أن نولى الاهتمام بالسلوكيات القابلة للملاحظة والقياس. ولا يركزون اهتمامهم على الأبنية اللغوية، والمشكلة الأساسية في هذه المنظور هي أنه نظراً لأن الأنشطة العقلية لا يمكن أن ترى، فإنها لا يمكن أن تعرف وتقاس. فيرى السلوكيون أن الطفل يكون سلبياً خلال عملية تعلم اللغة فالطفل يبدأ الحياة بجعبة لغوية خاوية ثم يصبح الطفل مستخدما للغة في بيئته. لذلك يتفق السلوكيين جميعاً في أن البيئة هي العامل الحرج والأكثر أهمية في عملية الاكتساب، ويؤكدون على الاختلافات التي تحدث بواسطة البيئات الواسعة الاختلاف للأطفال أثناء فترة اكتساب اللغة. ورائد هذا المذهب هو " سكنر " والذي ركز على جوهر المذهب السلوكي اللغة، اللغة سلوك ومثلها مثل الأنماط الأخرى للسلوك الإنساني فإنها تعلم عن طريق عملية تكوين العادة. والعادة تحتوى على تلك المكونات الأساسية: • الطفل يقلد الأصوات والأنماط التي يسمعها حوله. • الناس تتعرف وتدرك محاولات الطفل من حيث تشابهها مع كلام البالغ وتدعم وتكافئ الأصوات عن طريق الاستحسان أو أي رد فعل محبوب آخر. • يحصل على مكافآت أكثر يكرر الطفل الأصوات والأنماط، ومن هنا تصبح عادة. بهذه الطريقة يشكل سلوك الطفل الشفهي حتى تتطابق العادات مع نماذج الشخص البالغ. وبإطار العمل النظري هذا فإن تعبيرات الطفل لا ترى على أنها نظام معالجة بالطريقة الصحيحة بل ترى على أنها نسخة خطأ لكلام البالغ، فالأخطاء هي ببساطة نتيجة التعلم غير التام، عملية تكون العادة لم تكتمل بعد بشكل صحيح. فالطفل من وجهة نظر السلوكيين يقلد السلوك اللفظي في بيئته إلى حد بعيد. وهم يعطون التقليد أو التكرار أهمية عالية في تعلم اللغات ويترتب على هذا أن الكلمات والتراكيب التي تحظى بالشيوع في بيئة الطفل تلعب دوراً مؤثراً في التطور اللغوي لذلك الطفل. ويضاف للشيوع بعد التعزيز لأنه يساهم في الوصول بالطفل إلى مستوى الاحتراف، لذا يتمتع التعزيز الذي يبديه الوالدان بدور فعال في العملية التعليمية لدى الطفل. فعندما يقدم الطفل سلوكاً لغوياً مفهوما في البيئة المحيطة ويقوم الولدان بالتعزيز لذلك السلوك،