تؤثر التقلبات المزاجية والضغوط التي نتعرض لها خلال البلوغ على أدمغتنا، فكلاهما اجتماعي وظريف ومحب للدعابة – ومع ذلك هناك اختلافات بدأت تظهر في شخصية أحدهما عن الآخر، فمثلا يهتم ابننا بالوقت أكثر ولديه حب استطلاع لمعرفة الآتي، بينما شقيقته التوأم أكثر استقلالية ورغبة في فعل الأمور بنفسها. عالمة الأعصاب والإدراك والخبيرة بالتطور المخي خلال المراهقة، إذ يظهر ذلك في شكل أكثر منهجية في التفكير والتصرف والشعور، ثم تستقر الشخصية أكثر مع السنوات الأخيرة من المراهقة والاقتراب من العشرينيات. فقد أظهرت دراسات طويلة الأمد انعكاس السمات التي تُلحَظ خلال سني المراهقة على حياة الفرد لاحقا، وتغير الشخصية ليس مقصورا على فترة البلوغ فحسب، وهو ما يصفه علماء النفس بالنضج، قبل أن يستقر الشخص مجددا مع اقتراب سنين المراهقة من نهايتها. أجريت دراسة على آلاف المراهقين الهولنديين كان أصغرهم في الثانية عشرة مع بدء الدراسة التي خضع خلالها المشاركون لاختبارات شخصية العام تلو الآخر، على مدار ستة إلى سبعة أعوام، من قبيل عدم الالتزام بالنظام وضبط النفس، بينما كانت البنات عاطفيا أقل استقرارا خلال تلك الفترة، لكن الشخصية سرعان ما تعود لحالتها السابقة مع اقتراب المراهقة من الانتهاء بحيث تزداد الشخصية استقرارا، بحسب بيانات الدراسة الهولندية. ويتفق الآباء والأبناء على أن فترة المراهقة فترة تغير واضح، ويختلف الجانبان على ماهية تلك التغيرات – بحسب دراسة عام 2017 شملت أكثر من 2700 من المراهقين الألمان. فقد طُلب من المراهقين تقييم شخصياتهم مرتين، كما طلب من الآباء تقييم شخصيات أبنائهم في الفترتين وفق قياس محدد. أظهرت الدراسة اختلافات ملحوظة، منها مثلا أن الآباء رأوا أن أبناءهم كانوا أكثر عنادا مما رآه المراهقون في أنفسهم من عناد، كما رأى المراهقون أنفسهم أنهم أصبحوا أكثر انفتاحا على الآخرين بينما رأى الآباء أن أبناءهم أصبحوا أكثر انطواء! وكانت الخلاصة المؤسفة للدراسة أن “الآباء عموما رأوا أن أبناءهم صاروا أسوأ تصرفا”. وربما كانت بارقة الأمل الوحيدة أن الآباء رأوا أن أبناءهم ليسوا بهذا الكم من عدم الانضباط عن ذي قبل وكان تقييمهم من تلك الناحية أفضل من تقييم الأبناء لأنفسهم. ولكن بالتدقيق أكثر يمكن تفسيرها بالتغير الكبير الذي يطرأ على العلاقة بين الآباء وأبنائهم مع ازدياد النزعة الاستقلالية والرغبة في الخصوصية لدى الأبناء في سن المراهقة. كما يشير الباحثون إلى أن الآباء والأبناء ربما يتبنون قياسات مختلفة – فالآباء ربما يقيسون أبناءهم باعتبار المُنتَظَر من شخص بالغ، بينما يقيس الأنجال أنفسهم مقارنة بأصحابهم المراهقين. تلك الدراسات امتدت على مدى طويل، وقاست متوسط التغير في شخصية المراهقين، وبالتالي تخفي تلك الدراسات الجماعية الفوارق الفردية بين مراهق وآخر، ويكشف مخ المراهق عن تلك التغيرات. منها “ترقق” المادة السمراء الزائدة بالمخ، وقد يلعب هذا دورا في أنماط تغير الشخصية خلال المراهقة، بحسب دراسة نرويجية عام 2018 استندت إلى صور أشعة مخية. قارن الباحثون صور الأشعة التي أجريت لأدمغة عشرات المراهقين مرتين بفارق عامين ونصف بين المرة الأولى والثانية، إضافة إلى تقييم الآباء لشخصية أبنائهم في أول الفترة وآخرها. وكان من أهم ما وجدته الدراسة أن من كانت درجات تقييمهم أعلى على مقياس سمة التدقيق أظهرت أشعتهم ترققا أكثر بمناطق عدة بالقشرة المخية (كعلامة على ترقق أكثر كفاءة للمادة السمراء أشبه بإثمار الأشجار أكثر مع تقليمها، كذلك اقترنت الدرجات الأعلى على مقياس الاستقرار العاطفي بقشرة مخية رقيقة أكثر. أي أن التغيرات التي تطرأ على المادة السمراء خلال سنوات المراهقة ربما ترتبط بما يشعر به المراهق وما يقدم عليه من تصرفات. ففي دراسة أجريت عام 2017 لمتطوعين أمريكيين قاس الباحثون قياسات تتعلق بالشخصية في الفترة بين عمر الثامنة والثانية عشرة، من قبيل طلاق الأبوين أو التعرض لحادث سيارة، ارتبطت بزيادة العُصابية خلال المراهقة وبعدها. وعلل الباحثون ذلك بأن المشاق الناجمة عن أفعال المراهق قد يُنظر إليها باعتبارها أصعب ما يضر أكثر بتطور الشخصية. ومن ثم فتوافر الدعم النفسي للمراهقين – خاصة خلال الأزمة – يساعد على عدم تردي الشخصية. فقد أشارت دراسة سويسرية أجريت لمدة سنة عام 2013 إلى أن تعزيز شعور المراهقين بهويتهم وتشجيعهم على الصدق مع الذات والقدرة على توجيه مسار حياتهم وتلبية المتوقع منهم بشكل واضح، وأظهرت دراسة أخرى العلاقة بين الثقة بالنفس خلال سني الدراسة والتطور الإيجابي للشخصية. ويمكن ترجمة تلك النتائج عمليا بتوفير بيئة مواتية للمراهقين تساعد في نمو شخصياتهم، وقد أظهرت دراسة بريطانية لأكثر من أربعة آلاف مراهق أن من أظهرت الدراسة انفلاتهم (عبر تدني درجاتهم على مقياس التدقيق الشخصي) رُجح أكثر بنسبة الضعف انضمامهم لصفوف العاطلين عن العمل لاحقا مقارنة بغيرهم. وكثيرا ما نركز على تلقين المراهقين والحرص على اجتيازهم الامتحانات، وربما حري بنا أن نركز على الأقل بنفس القدر على بناء شخصياتهم. وكأب لابن وابنة توأم مازالا دون سن البلوغ فسوف أتابع باستمرار الأبحاث المتعلقة بنمو شخصية المراهق والواجب عَلّي أن أكون أقدر على وضعهم على المسار الأفضل مستقبلا.