اقول و لا قوة الا بالله انه لا اختلاف في هذه الاخبار بحمد الله تعالى وانما الاختلاف في الانظار فان مورد الاخبار الأول في الاشتباه لا الجهل و مورد الاخبار الاخيرة الجهل لا الاشتباه و بين المقامين فرق واضح فان الجهل هو ان لا يكون عندك شيء مما يدل على وجود المجهول وعدمه والشبهة ان يكون لك شيء يدل على وجود المشتبه و شيء يدل على عدمه فيشتبه عليك الامر او تحصل قرينة ان مدلول الخبر هذا واخرى ان مدلوله هذا او يشبه الحق بوجه و يشبه الباطل بوجه و امثال ذلك ولذلك قلنا ان الرجل لو لم يعلم ان سوق الهند مثلا كيف هو ليس بشاك في كيفيته و انما هو جاهل و اما اذا اخبره عدلان بخبرين مختلفين هو شاك فيه مشتبه عليه و هذا السر قد خفى على الاخباريين فخبطوا في المسئلة و لم يميزوا الجهل و الشبهة فاحمد الله سبحانه على ما القينا اليك و رفعنا عنك هذه الشبهة بحول الله و قوته و برکات آل محمد عليهم السلام فما كان مجهولا لا نص عليه انت في سعة منه ولا حكم عليك فيه ابدا كيف و اثبات الحكم فيه ينافي العدل المجمع عليه كما روى عن ابى ابراهيم عليه السلام في حديث لان الله تعالى عدل لا يجور يحتج على خلقه ما يعلمون يدعوهم الى ما يعرفون لا الى ما يجهلون ويُنكرون انتهى ، و نحن عبيد جهال لا نملك لانفسنا نفعا و لا ضرا و لا نعرف شيئا منهما الا بتعريف الله سبحانه و لم يكلنا الله الى عقولنا و لم يفوض الينا امر دينه و ملكه فلا تكليف لنا في شيء لم يبين الله لنا فانه لم يكن عاجزا عن البيان ولا يممنوع عنه و لا يسهو ولا يلهو و لا ينسى و حجته بالغة فلو كنا مكلفين باحد الأمرين لا وضح لنا بیرهان واضح . قطعی حتى يكون له الحجة علينا يوم القيمة و نحن نعلم انه لو خيرنا بين احكامه بعقولنا القاصرة المشيبة الكدرة لاحتج علينا يوم القيمة و قال الله اذن لكم ام على الله تفترون ولا نقدر ان نقول له انت اذنت لنا في العمل بعقولنا و الايجاب على عبيدك وامائك ان يعملوا بعقولنا واما اذا لم نعمل فلنا حجة ان نقول يا رب انا وقفنا لامرك ونهيك و بيانك و كنا نعلم انك غير مغلوب في حكمك ولا ساه ولا لاه ولا ناس و لم تبين لنا تكليفك ودينك في هذه المسئلة و علمنا انه عن عمد و حكم منك وعلمنا انك اعدل من ان تحجب عنا علم شيء عن عمد منك ثم تعذبنا على تركه . فاما ما تمسكوا به من قوله ولا تقف ما ليس لك به علم فقد ورد في تفسيرها انها في اتباع امام دون الامام المنصوب من عند الله و في التهمة و على فرض اطلاقها و عدم ما يحتاج فيه الى تفسير الائمة عليهم السلام فظاهرة في الالتزام بما لا يعلم اذ الاقتفاء بمعنى المتابعة و الاطاعة وضده المخالفة و المعصية كما قال تعالى من تبعنى فانه منی و من عصاني فانك غفور رحيم والمراد بالعلم في هذه الآية و امثالها ما يرادف اليقين و ضده الشك والظن ولا شك في حرمة اتباع الظن و الشك كما نزلت فيه آيات كثيرة والشاهد على ان المراد ما يرادف اليقين قوله تعالى قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون فيجب متابعة المعلوم و يحرم اتباع المظنون و المشكوك كما قال الصادق عليه السلام من شك و ظن فاقام على احدهما احبط الله عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة هـ ، فلا يجوز الاقامة على الشك والظن والتزامهما واقتفائهما و اما الاخذ بالسعة فيما لم يرد فيه بيان من الله سبحانه ليس التزام مشكوك و مظنون ولا اتخاذ احد الشقين متعينا دينا يدان الله به و انما هو سعة فيما ابهمه الله بحكم من الله و رسوله كما تلونا عليك من الاخبار و الذكر الحكيم و هو اقتفاء للعلم الخارج عن اهل البيت عليهم السلام و اتباع لآثارهم و عمل بحكمهم وامتثال بحكم الآية و بالجملة ظاهر الآية كساير الآيات المانعة من العمل بالظن والشك وليس من محل الكلام في شيء وهي مطابقة مع قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها فان الظن و الشك غير مكلف به فمن اتخذهما دینا یدین به فقد اقتفى ما لم يكلفه الله به و ابدع و كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار فيحرم اقتفاء المظنون والمشكوك و اتخاذهما دينا اذ لا يكلف الله نفسا الا ما آتيها فلا اختلاف في الآيتين ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.