في سنة (٩١ﻫ) أرسل موسى بن نصير عاملًا على إفريقيا فعزم على فتح الأندلس، وأرسل طارق بن زياد البربري الأصل لمباشرة الفتح أول الأمر، يضاف إلى ذلك سوء حكم الإسبانيين وما بين ولاتهم من ضغائن وإحن، وتمَّم موسى بن نصير ما بدأه طارق. وانضم إلى هؤلاء في الفتح مصريون وشاميون وعراقيون وجمع كبير من البربر. وقد امتزج هؤلاء جميعًا ببعض أهل البلاد من قوط وإسبانيين وغيرهم إما بالمصادفة أو بالمصاهرة، فكان إذا ولي الأمر قيسي نكل باليمنيين وقرَّب المضريين، وإذا ولي الأمر يمني نكَّل بالقيسيين وأعلى شأن اليمنيين، وكل يوم نسمع واليًا هزم وواليًا نصِّب حتى بلغ عدد الولاة نحو أربعين واليًا في مدة وجيرة. على كل حال كانت العناصر التي سادت الأندلس أربعة: ١) العرب: وكانوا يحسون إحساسًا قويًّا بأرستقراطيتهم لغلبتهم على الإسبانيين والبربر وإدخالهم في الإسلام، ٢) البربر: وهم يشاركون العرب في البداوة والإسلام والعصبية القبلية والشجاعة؛ ولذلك وجد منهم العرب الأمرَّين عند فتحهم للمغرب. يرون أن البربر والعرب دخلاء عليهم وأنهم أحق بملك بلادهم. ٤) المسلمون المولَّدون من تزاوج العرب بالبربر، أو العرب بالإسبانيات والصقالبة، فاضطرتهم الحاجة إلى أن يتزوَّجوا من الإسبانيات أو من البربر ويستولدوهن. وقد خرج من هذا الازدواج بين عربي وبربرية، أو عربي وإسبانية جيل جديد مولَّد، يشبه ما كان في الشرق من تزاوج بين عربي وفارسية، وقد عرف المولدون من النساء الإسبانيات بالذكاء والشجاعة والجمال، وقد حبَّب العرب في هذا الزواج ما عرف عن الإسبانيات والبربريات من جمال وبياض بشرة، وقد دخل كثير من أهل البلاد في الإسلام وتكلموا العربية، ولما رأى العرب والبرابرة الأندلس أعجبوا بها، وافتتنوا بمحاسنها حتى قال قائلهم: إن للجنة بالأندلس مُجْتَلَى مرأى وريَّا نَفَس فَسَنا صُبْحَتِها من شَنَبٍ ودجى ظلمتها من لعس ويقول آخر: وكيف لا يذهب الأبصار رؤيتها وكل روض بها في الوشْي صنعاء أنهارها فضة والمسك تربتها والخزُّ روضتها والدر حصباء وللهواء بها لطف يرِق به من لا يرق وتبدو منه أهواء فيها خلعت عِذاري ما بها عوض فهي الرياض وكل الأرض صهباء وقد وصف لسان الدين بن الخطيب عرب غرناطة وبرابرها وصفًا ينطبق على جميع عرب الأندلس تقريبًا وبرابرتهم، وأنوفهم معدلة غير حادة، وشعورهم سود مرسلة، وألسنتهم فصيحة عربية، والأزدي، وتعليق الترس، والبربري يرجع إلى قبائله المرينية، والغنى بمدينتهم فاشٍ، وربما اقتات في فصل الشتاء الضعفة والبوادي والفعَلة في الفلاحة والذرة العربية، وفواكههم اليابسة متعددة، وفي شق: لا غالب إلا الله … ودينارهم في شق منه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، وفي شق اسم الأمير، وقد يبلغن في التفنن في الزينة، لهذا اختلف أهل الأندلس عن أهل الشرق،