وهكذا فقد رأينا تداخل المعتقدات وتشابهها ليس بين الأقطار العربية فحسب بل وأيضا غير العربية ولا غرو في ذلك لأن الأفكار والكلمات لا تستطيع الحواجز المصطنعة أن تقف في وجه زحفها وغزوها. العدد 40 لقد لعبت الأعداد دورا بارزا في حياة الإنسان، الذي يقابله العدد 40 ورد في فواتح 16 سورة من أصل ، ومن هنا تبرز أهمية العدد 40 لدى المسلمين. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى من أهمها الصدفة، لا بد أن يبقى مخمرا في " َ بستوكة" لمدة أربعين يوما، فيكون صالحا للاستعمال" إلا أن أبرز العوامل التي طبعت العدد 40 بطابع القدسية، ومن المواضع التي ورد فيها العدد 40 في القرآن الكريم قوله تعالى: "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " (51) وكذلك قوله تعالى: "حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضه وأصلح لي ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين. " ) وهنا نلاحظ اقتران بلوغ الأشد ببلوغ الأربعين مما ساهم في ترسيخ هذه السمة الخاصة للرقم . فقد ورد الرقم 40 كثيرا جدا ومن ذلك قوله صلى االله عليه وسلم: " من أذن أربعين عاما محتسبا بعثه االله يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء والدنيا" وكذلك قوله (ص) " من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى قوله: " ويعلم ما تكسبون" وكل االله به أربعين ألف ملك يكتبون له مثل عبادتهم إلى يوم القيامة" وقولك أيضا: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا في ما ينفعهم في أمر دينهم بعثه االله يوم القيامة من العلماء". وقوله: "شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما وإن مات في الأربعين مات كافرا") كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر لأن المقام لا يتسع لذكرها كلها. وفي الأمثال الشعبية الفلسطينية والعربية نجد العدد 40 حاضرا كذلك، ومن ذلك قولهم "اشتغل الشيطان بكل شغلة يوم واشتغل بالكدية أربعين يوم" وقولهم " االله أقل صبره أربعين سنة" وكذلك " َ العربي أخذ ثاره بعد أربعين سنة وكال استعجلت" وكذلك: " وجب الزاد ولو أربعين لقمة" وقولهم: " من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم" وأيضا: " أربعين شاركوا بزبيبة" وغير ذلك كثير. وهكذا نجد أن العدد 40 يستخدم هنا للدلالة على الكثرة والمبالغة. وفي الحكايات الشعبية لا نستطيع إغفال ورود العدد 40 دونا عن غيره من الأعداد ومن ذلك قصة "علي بابا والأربعين حرامي" الوارد في كتاب ألف ليلة وليلة وكذلك قصة "أبو أربعين مرة" . (54) وفي العادات والتقاليد الشعبية في مختلف البلاد العربية، نلاحظ أن العدد 40 له مكانة خاصة في توقيت إقامة الاحتفالات أو الطقوس المختلفة. ومن ذلك إقامة الحفلة للأم والمولود بعد انقضاء أربعين يوما على وضعه في كثير من الدول العربية، وكذلك إقامة حفل تأبين للميت بعد مرور أربعين يوما على موته " وربما يعود سبب تحديد فترة التأبين بأربعين يوما إلى ذلك العصر، أو إلى الاعتقاد السائد لدى العامة من جميع الأديان، بأن الأرواح تزور جثتها بعد أربعين يوما من الوفاة، لذلك نرى أن طقوس الأربعين في التأبين لم تقتصر على شعب دون آخر، فاليهود والمسيحيون والمسلمون وقبلهم الفراعنة، كانوا يؤبنون موتاهم بعد مرور أربعين يوما من وفاتهم، كل حسب طرائقه الخاصة" (55) ومن المعتقدات الشعبية التي يسيطر العدد 40 عليها ومن ذلك ما يلي: * يعتقدون أن القصاب إذا باع اللحم لمدة أربعين يوما بإخلاص فهو (نغل) لقناعتهم بأن القصابين لا بد أن يغشوا في مهنتهم. * يقرؤون بعض الأدعية والسور القرآنية للحصول على مطالبهم أربعين مرة لأربعين ليلة. * يعتقدون أن من صلى وصام فإن االله يبارك بأربعين من جيرانه ويدفع البلاء عنهم. * وثمة اعتقاد بأن المطر ظل ينهمر على الأرض بعد خلقها أربعين يوما بلياليها. * ويعتقدون أن المرأة النفساء إذا ماتت قبل أن تتم أربعين يوما بعد الولادة محا االله ذنوبها وأدخلها الجنة لتكون من الحور العين. * ويعتقدون أن الكبش الذي فدى االله به إسماعيل إنما سمي عظيما لأنه رعى في الجنة أربعين عاما. * ويعتقدون أن الطفل الأزرق العينين، إذا رضع من لبن الجارية أربعين يوما اسودت عيناه.