مكفرات الكبائر أو موانع إنفاذ الوعيد إما أن تكون من المذنب وهي: التوبة، التوبة: قال تعالى: ** قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً * [الزمر: 53] فعمم وأطلق، لأن التائب لا فرق في حقه بين ذنب وذنب، بخلاف من لقي الله على غير توبة فإن الله خص وعلق فقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء * [النساء: 48] ، فخص الشرك بعدم المغفرة وعلق ما دونه على المشيئة، وفي الحديث: «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وفي الحديث: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»، وفي الحديث إشارة إلى أن التوبة لابد أن تكون في وقتها الخاص وهو ما قبل الغرغرة، كما أشارت الآية إلى أنها لا بد أن تكون في وقتها العام وهو ما قبل طلوع الشمس من المغرب. والتوبة تكفر جميع الذنوب بالإجماع، القتل العمد العدوان لقوله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها * [النساء: 93] ، وحديث: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يلقى الله مشركاً أو يقتل مؤمناً متعمداً»؛ ولهذا قال ابن عباس: إن القاتل لا توبة له. ولكن ينبغي أن نعلم أن عدم قبول التوبة لا يعني الخلود في النار، ولكن المعنى: أن لا يكون عند القاتل من الحسنات ما يقابل سيئة القتل؛ ولهذا فإنه يعذب بهذه الجريمة كما نبه على ذلك شيخ الإسلام. ٢. البدعة لحديث: «إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة»، ويمكن أن يقال: إن المراد أن صاحب البدعة لا يوفق للتوبة بأن يزين له سوء عمله فيراه حسناً، لأن من أشربها لا يفكر أبدأ في التوبة. 3. ما قرره الفقهاء من أنه لا توبة لزنديق ولا لمن تكررت ردته ولا لساحر ولا لمن سب الله ورسوله والمراد أنها لا تقبل حكماً لا حقيقة، فلو صدق في التوبة فإنها مقبولة عند الله وإن كانت لا تقبل حكماً وقضاء. لكن في قبول توبة الساحر نظر فقد ذكر في المغني ما يدل على أن الصحابة يرون أن الساحر لا توبة له مطلقاً. » وفي الحديث: «من قال حين يأوي إلى فراشه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، والاستغفار وثيق الصلة بالتوبة يمكن أن يقع معها أو بدونها، وبعض العلماء اعتبره بمعنى التوبة، والصحيح أنه مستقل عنها، أو كان بعد وضوء وصلاة ركعتين، الحسنات الماحية لقوله تعالى: «إن الحسنات يذهبن السيئات ) [هود: 114] وفي الحديث: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» والحسنات الماحية هي المقبولة قبول رضا أو قبول ثواب، أما المجزئة فإنها لا تمحو شيئاً من السيئات كا قرر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى. وأعظم الحسنات التوحيد الخالص لحديث: «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة». فهذه نكرة في سياق نفي فتعم الشرك صغيره وكبيره قليله وكثيره. الدعاء قال تعالى: * واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنت » [محمد: 19] وفي الحديث الصحيح: «ما ا من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلاشفعهم الله فيه». وفي الحديث: «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب» وفي رواية: «إلا غفر الله له» وإسناده حسن. إهداء ثواب العمل فإهداء ثواب العمل ينفع الميت ويكفر عنه كما ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً قال للنبي ﷺ: إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال: «نعم». قال ابن تيمية: اتفق الأئمة على أن الصدقة تصل إلى الميت، فقد حكى غير واحد الإجماع على وصوله وليس فيها إلا خلاف ضعيف كما ثبت في سنن أبي داود في خبر العاص بن وائل أن النبي ﷺ قال: «لو كان مسلماً فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك». أما القربات البدنية المحضة كالصوم والقراءة فالحنفية والحنابلة على أنها تصل لحديث: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»، فنبه بوصول الصوم على سائر القربات البدنية، وذهبت المالكية والشافعية إلى أنها لا تصل لقوله تعالى: « وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (30) [النجم: 39] ولحديث: «إذ مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، فلم يكن من عادتهم إهداء الثواب، وهي سورة الملك فينبغي للمسلم الحرص على قراءتها كل ليلة، وبخاصة أنه ورد أنها تمنع من عذاب القبر. المصائب المكفرة لحديث: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وينبغي أن يعلم أن التكفير بالمصائب مبني على الموازنة، فالمصيبة الصغيرة تكفر الذنب س/ ما هي أنواع المصائب المكفرة ؟ لأنها على الصحيح زواجر وجوابر كا يدل لذلك حديث عبادة: «ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة» رواه مسلم، العفو الإلهي لقوله تعالى: « إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء * [النساء: 48] ولحديث: «ومن أصاب شيئاً من ذلك – أي: من الكبائر – فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه». س/ من هم الذين يغفر الله لهم من أهل الكبائر ؟ جـ/ ذهب ابن حزم وابن تيمية إلى أن أهل الذنوب قسمان: ومن استوت حسناته وسيئاته بعد وقفة على الأعراف. وذهب الجمهور إلى أن أهل الكبائر بجميع طبقاتهم تحت المشيئة لقوله تعالى: * ويغفرما دون ذلك لمن يشاء ** [النساء: 48] فهذا عام حتى فيمن رجحت كبائره بحسناته، ونصوص الموازنة التي استدل بها الفريق الأول لا تصلح لتقييد هذا العموم؛ لأن الظاهر أنها تجري على طريقة القرآن الغالبة في ذكر السعداء الخلص والأشقياء الخلص دون المخلط صاحب الشائبتين، موازينه فاولئيك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خلدون 13 – المؤمنون: 103] وهذا الحكم لا ينطبق س/ ما هي الآثار والمسائل العقدية التي ترتبت على معرفة مكفرات الذنوب أو موانع الوعيد ؟ ج/ هناك مسائل هامة ترتبت على هذه الموانع منها: 1. الكف عما شجر بين الصحابة؛ لأن ما ثبت صدوره عنهم قد لا يلحقهم وعيده لتخلف شرط أو وجود مانع كالحسنات الماحية فهم من أكثر الناس حسنات، وذلك لأن المعين الذي قام به سبب الوعيد يجوز ألا ينفذ وعيده لمعارض راجح كالتوبة والحسنات والشفاعة، مثل: (لعن الله شارب الخمر) بمعنى أنه يقال بموجب نصوص الوعيد على وجه العموم دون أن يقطع بالوعيد في حق معين لاحتمال تخلف شرطه أو وجود مانعه، والشواهد على ذلك كثيرة كحديث: «لعن الله الخمر شاربها» ثم أنه قال في الشارب المعين: «لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله» فنهى عن لعنه بعينه لوجود معارض الحسنات، وكما في حديث: «لعن الله آكل الربا وموكله» ومع ذلك لم يلحق بلالا ﷺ حين اشترى صاعاً من التمر الجيد بصاعين من التمر الرديء لعدم علمه بالحكم. ولكن يجب أن لا يستقل الرجاء بالمؤمن بل لا بد أن يقارنه الخوف؛ لأن الله کا جعل للسيئات ما يكفرها فقد جعل للحسنات ما يبطلها وهي كثيرة منها: • التعامل بالربا لأنه يبطل حسنة الجهاد كا ثبت عن عائشة رضي ا الله عنها أنها قالت في زيد بن أرقم لما تبايع بالعينة: أخبروا زيداً أنه أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب. • المن بالصدقة قال تعالى: « ينأيها الذين ءامنوا لا تبطلواصدقتكم بالمن والأذى ﴾ [البقرة:. [٢٦٤ لأن الحديث عام وليس هناك مخصص، ولكن ينبغي أن ننتبه لما نبه إليه ابن رجب نفسه من الفرق بين قول أهل السنة والوعيدية، فإن الوعيدية يحبطون الإيمان وأهل السنة يحبطون العمل. لأن الحديث صريح في أن ترك صلاة العصر مبطل للعمل، • الانتساب لغير الآباء لحديث: «من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً» أي: فرضاً ولا نفلاً. وهناك أعمال تحبط العمل لمدة معينة كشرب الخمر ففي الحديث: «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً»، وكالذهاب للكهان لحديث: «من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً». فيجب أن ينظر المسلم لهذه المبطلات بعين وينظر بالأخرى لمكفرات الكبائر؛