وإذا بحثنا في التاريخ لدى النصارى عن إسناد لهذه الأناجيل إلى من تنسب إليه لا نجد من ذلك شيئاً البتة لا قليلاً ولا كثيراً. ورسائل بولس، وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها إشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة، الأمر الذي يترتب عليه أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطَّلع عليها أحد منهم، وفي هذا دلالة قوية على أن نشأة هذه الكتب وظهورها كان متأخراً عن هذه الرسائل. بخلاف إنجيل المنزل على المسيح فقد ورد ذكره في كلام بولس مراراً عديدة، كما ورد ذكره في إنجيل مرقص، وأعمال الرسل مما يدل على وجوده وأنه معروف معلوم. وقد حاول النصارى أن يجدوا لهذه الكتب إسناداً أو إخباراً عنها في كلام مقدميهم يتفق مع الزمن الذي يزعمون أنها كتبت فيه، وهو الربع الأخير من القرن الأول الميلادي على أكثر تقدير، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل ، مما اضطرهم إلى الاعتراف بأن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من تنسب إليه بعشرات السنين، فتكون نسبتها إلى أولئك الناس نسبة لا تقوم على أدنى دليل، "أن قانونية أسفار العهد الجديد لم تتم في وقت واحد ولم يكفيها جيل أو جيلان، بل استمرت مدة طويلة، ولم تقف الكنائس المختلفة موقفاً موحداً من هذه الأسفار، بل اختلفت آراؤها واستمرت في ذلك حقبة طويلة". وهذا يعنى بأن في الفترة المبكرة للمسيحية لم تكن هناك كتب مقدسـة تسمـى العهـد الجديد، ولكن الكنيسة لم يكن من الممكن أن تبقى بلا مصادر إلهية تستند عليها في الوعظ والتعاليم والسلوك والمعاملات، فاعتمدت في ذلك على المصادر الثلاثة وهي: العهد القديم، ورسائل الرسل. فكانت أول مجموعة عرفتها الكنيسة من العهد الجديد هي ـ مجموعة رسائل "بولس". ـ تلتها مجموعة الأناجيل الأربعة، وقد ظهرت هذه المجموعة متأخرة بعض الوقت عن مجموعة كتابات بولس.