لا بد أن يرحل قبل أن أواريهم التراب). لفحتني نسمات الخريف الآتية من البراري وأنا أنزلق إلى الماء لأجذب الشاحوف، قفز مبارك من نومه مرعوباً على أثر ارتطام الشاحوف برمال الشاطئ. – أبو عبدالله ماذا جرى؟ تناولت طرف القماش الذي كان يلتحف به مبارك ومسحت السكين من بقايا الأسماك والأعشاب البحرية. وكأنه شعر أن الأمر لا يعدو أن يكون دعابة عابرة. – وكيف يا بو عبدالله وهو يدمر كل شيء وها قد مرت عشرة أيام ولم يبق من البلد إلا أطلالها. وضعتها على السطح الأمامي. ودفعت بالشاحوف إلى أعماق البحر. – ما عليك يا مبارك الآن إلا أن توصلني إلى ذلك الوحش. – ولكن يا بو عبدالله…! – أعرف أن الشاحوف صغير والأمواج بدأت ترتفع، لكنها الفرصة الوحيدة التي ستساعدنا للوصول بقربه دون أن يشعروا. – أبو عبدالله…. استمر في التجديف والزم الصمت حتى نصل. حيث الأمواج السريعة الانكسار، واستمر الشاحوف بالانزلاق وسط الصمت حتى اقتربنا. ابتعدنا قليلاً حتى يهجعوا للنوم. – أبو عبدالله إن هذا لجنون. – حالما أنزل ابتعد بالشاحوف وعد إلى الشاطئ، رائحة الحريق والرماد السعفي تتفاعل بدمي وتثير فـيَّ عطش اللحظة التي سأطفئ فيها نار الخراب. خلعت الفانيلة و(الوزار) . نزلت إلى الماء بعد أن ثبتّ السكين بالحزام الذي هو عبارة عن خيوط صوفية محاكة بإتقان، سرت فـيَّ رعشة عندما لامست رجلاي هيكله الحديدي البارد. بعد أن اقتنصت فرصة نومهم جميعاً. تسلقت بواسطة حبل المرساة وضربات قلبي تزداد قوة، وهو يتحرك في الظلام جيئة وذهاباً في خطوات منسقة ووقع أقدامه يثير فـيَّ الرعب. تقدمت إلى (الغمارة) وإذا بي أشاهد حارساً على بابها وهو أمر لم أكن أتوقعه. افترسني الخوف بيد أنه لم يكن لي خيار. تسللت إليه بحذر وبادرته بضربة قوية بالسكين في صدره. كتمت أنفاسه بيدي الأخرى وسقط متكئاً على ذراعي. سيطر عليّ الخوف وتوجست في حقيقته. ربما لا يكون القائد بعينه. صور المآسي والحرائق والأطفال اليتامى والمراجيح التي شنقت عليها الأغاني. هويت بيدي المرتجفة بالسكين على صدره، وحبست أنفاسه بمخدة قطنية منعاً للضوضاء والصراخ. شعر الحارس بالأمر وشاهدته يقترب من خلال الأفق البعيد. أسرعت باتجاه الباب متعثراً بأكوام الحبال. قفزت إلى البحر غائصاً في الأعماق وهواجس الخوف والارتباك تملك مني النواصي. وحالما طفوت إلى السطح أمطرني الجنود برصاص بنادقهم. فقدت على إثرها قواي، غير أنني ظللت أصارع الأمواج وألم الجرح حتى ارتطمت بالشاطئ. زحفت على الرمال متلبساً بهستيريا لم أحتملها. حملقت بالوجوه المحيطة. وإذا بمبارك واقف والابتسامة تملأ ثغره ودموعه الساخنة تنثال على وجهه.