ولم تكن تلك هي المرة | الأولى التي يرسل فيها الأوربيون قوات ضخمة إلى الخليج ؛ فقبل أقل من مئة عام ، وبدأت في ترويع كافة الحكام على امتداد الساحل ، وهي المعاهدة التي صاغت شكل العلاقة السياسية بين الجانبين على مدى نحو 150 عاماً ، وكانت الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية هي السبب الرئيسي وراء كلتا الحملتين . اتعود حركة التجارة في الخليج العربي إلى خمسة آلاف سنة ، وربما إلى ما قبل ذلك ، اوتُعتبر هذه المدة أطول سجل تاريخي من العلاقات التجارية المستمرة في تاريخ البشرية ، طيلة هذه المدة كان الخليج العربي شرياناً تتدفق منه البضائع وتنعقد فيه الصلات بين الشرق والغرب ؛ مما أدى إلى بقاء الشعوب التي عاشت على سواحله على اتصال دائم بالعالم الخارجي . هذا التاريخ الطويل من العلاقات الاقتصادية والصلات الثقافية يسبق بكثير المحاولات الغربية الأولى للاتصال بالمنطقة ، بل إن بلاد الشرق كانت قبل ذلك التاريخ على وعي تام بمدى أهمية الخليج ؛ كما يعود تاريخ السجلات التي ورد فيها ذكر التجار العرب وصلاتهم بالمراكز والمدن التجارية العظيمة في الهند وإندونيسيا إلى ما قبل ذلك التاريخ وكان الاتصال بين شبه الجزيرة العربية والعالم شرقا وغربا يتم عن طريق البر والبحر على حد سواء ، ولذلك كانت الطرق البحرية من رأس الخليج العربي إلى الهند وما اوراءها معروفة تماماً ، حيث يمكنهم التزود بالمأكل والمشرب ، وفي الوقت نفسه يمكنهم عند بعض الصفقات بيع وشراء . كانت العين ملتقى الطرق والمسالك المؤدية غرباً إلى جزيرة أبوظبي ، وكانت القوافل لا تعبر وسط الجزيرة العربية في اتجاه الشمال نحو البحر الأبيض المتوسط ، بل تنتقل إليه عبر سواحل شبه الجزيرة العربية ، وكانت البضائع تنتقل ذهاباً وإياباً عبر جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية . كل ذلك كان يعني أن الإمارات التي شكلت لاحقاً دولة الإمارات العربية المتحدة ( وإمارة أبوظبي تحديداً ) لم تكن في معزل عن المؤثرات الخارجية ، ومنذ القرن السادس عشر على أقل تقدير ، شكلت الضغوط الخارجية القوية من إيران أو الشرق أو شبه الجزيرة العربية أو الغرب ملمحاً ثابتاً من ملامح الحياة في الخليج لم يكن من السهل أن يستوعب أي مراقب بعيد عن المنطقة طبيعة القوى المحلية الفاعلة ، سواء منها السياسية أو الاجتماعية ، وعلى سبيل المثال ، كثيراً ما يخطى الأوربيون بوجه عام في فهم القرارات السياسية والاقتصادية البراجماتية في منطقة الخليج ، مفسرين إياها على انها قرارات تحكمها الانقسامات الطائفية أو الإثنية ، كما أنهم يتعاملون مع ما يسمعونه من مفردات ، علاوة على ذلك فقد كان الحذر وأخذ الحيطة إزاء دوافع ونيات الحلفاء والأعداء على حد سواء من السمات التقليدية لسكان المنطقة ، ومن هذا المنطلق فقد كانت السياسة القبلية تحتاج إلى إدراك عميق لمحتواها وتوجهاتها لاعتمادها على مبادئ وقيم يصعب فهمها اعلى الغرباء عن المنطقة الذين توقعوا أن تكون هذه السياسة أقل تعقيداً مما هي عليه . هما رغبة أفرادها في المحافظة على الاستقلالية ، وفي الوقت ذاته التوصل إلى توجه سياسي متوازن . دور بني ياس غير أننا لم نناقش إلا في إطار محدود دور هذه الصفات في سياق تاريخ المنطقة . لقد تحدد نمط الحياة في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية بالصراع الذي نشب في عمان واشتركت فيه كل القبائل القاطنة في هضاب عمان وحتى سواحل الخليج العربي ؛ فقد أدى الصراع الذي تفجر عام 1718 بسبب الخلاف على السلطة والنفوذ في عمان ، إلى إحداث انقسام قبلي جوهري ظلت أصداؤه تتردد حتى بعد مرور قرنين من الزمن ، ففي المنظومة القبلية التي يؤدي الشرف فيها دوراً حاسماً في تحديد طبيعة العلاقات الاجتماعية كان من الممكن أن تتطور الخلافات ذات الطبيعة السياسية إلى صراعات أكثر تعقيداً ، وكانت الحرب القبلية بين الجماعتين اللتين عرفتا باسم الهناوية والغافرية نسبة إلى بني هنا وبني غافر ) وأصبحتا محور المعسكرين المتصارعين ، قد أخذت طابع العداء المزمن القائم على القضايا المتعلقة بالعصبيات القبلية . وارتبط المسميان " هناوي وغافري بعداوات لم يكن لها علاقة من قريب أو بعيد بالصراع في المنطقة الواقعة وراء الجبال ، فضلاً عن كونها شكلت بنية التعاون والتحالفات حتى القرن العشرين ومنذ الحرب الأهلية القبلية ] أضحت كل قبيلة تعرف على أنها إما غافرية وإما هناوية ، وإلى يومنا هذا يعرف كل فرد في قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة الطرف الذي تنتمي إليه قبيلته ، متجاوزاً إلى حد بعيد حدود الطرفين المباشرين في الصراع ، إلى أن تحول الأمر إلى التعامل على أساس مبدأ " عدو عدوي صديقي . حيث استقطبت الهناوية إلى حد بعيد دعم القبائل اليمانية القحطانية التي شكلت أول موجة من القوة التي استوطنت الأراضي من جهة الجنوب الغربي ، في حين طلب الغافرية دعم ومساندة القبائل النزارية العدنانية التي دخلت عمان من وسط او شمال شرقي الجزيرة العربية ، غير أن انقسام هاتين المجموعتين لم يكن في نهاية المطاف اعلى أسس قبلية أو طائفية بحتة ، وعليه فقد كان بالإمكان أن تجد في كل معسكر منهما قبائل من أصول مانية وأخرى من أصول نزارية ، بالإضافة إلى الظواهر في مرحلة لاحقة . أدت حالة الاستقطاب الواضحة في صراع الهناوية ـ الغافرية إلى تقويض آليات المصالحة والتسوية التي كانت سائدة بين المجتمعات القبلية في منطقة الخليج العربي . وقد نمت قبيلة بني ياس في ظل حالة الفوضى والارتباك التي خلفتها الظروف الصعبة والحروب القبلية في المنطقة . وحدث أول توسيع بارز للسلطة القبلية في عام 1761 بالتوطن في جزيرة أبوظبي ، حيث يبدو بوضوح أن فيهما موضوعاً مشتركاً ، ألا وهو الأهمية الحيوية للماء بالنسبة إلى سكان الصحراء . والمعنى المقصود في الرواية الأولى هو أن الماء يجلب الحياة ،