لنحاول أن نتخيل أنفسنا أمام مجموعة من المدافعين عن الحداثة وحقوق الإنسان والحريات الفردية والمساواة. بسبب مطلب معين تواجه به هذه المجموعة الدولة، سترفع شعار: "حجابي. لنحاول أن نتخيل أنفسنا على صفحة إحدى الشابات المنتميات لهذا التيار والمدافعات الشرسات عن المساواة وحقوق النساء، أو أنهم ربما مستعدون للتخلي عنها في أي مناسبة أتيحت لهم للتفاوض أو من أجل تحقيق مآرب أخرى. هذا بالذات ما حدث مع عدد من التيارات المحافظة و/أو المناهضة لقيم الحريات الفردية، مشكلتهم فقط مع التلقيح ضد كوفيد 19. نحن هنا أمام مغالطة أولية تكذب في مفهوم الحرية الفردية نفسه. هذا المفهوم يتعلق باختيارات لا تمس أرنبة أنف الآخر. بمعنى أن الاختيارات الدينية والجنسية والعاطفية للفرد تدخل ضمن الحريات الفردية لأنها لا تؤثر على سلوك واختيارات الآخر. لكن هذا لن يفرض على جارك نفس الاختيار. هذا الجار سيستطيع أن يصوم ويصلي التراويح ويذهب فجرا للمسجد. وبإمكان أختك أن تفعل نفس الشيء إذا كان ذلك قرارها (نعم نعم. لأن الحريات لا تتعلق بجسدك فقط بل بأجساد الجميع)، لكن ابن خالتك يستطيع أن يختار العكس وأن يقرر الامتناع عن كل علاقة جنسية خارج الزواج. لماذا؟ لأنك حين ترفض تلقيح نفسك، الدراسات العلمية اليوم أثبت أن الأشخاص الملقحين قد يصابون بالفيروس (الرجاء، الذين مازالوا يتساءلون باستنكار: "أعرف شخصا أخذ جرعتين من التلقيح لكنه أصيب بالفيروس"). لكن التلقيح يقلل من الأعراض الخطيرة ومن مدى قدرة الفيروس على الانتقال من شخص A إلى شخص B بالتالي، فرفض التلقيح ليس حرية شخصية بقدر ما هو اختيار لن يؤثر فقط على صحتك وحياتك، بل أيضا على حيوات الآخرين. فأين الحرية الفردية إذن؟ مثلا، أعلنت مع بداية نوفمبر عن الارتفاع المهول لحالات الإصابات بين الأشخاص غير الملقحين: 20 ألف حالة جديدة خلال 24 ساعة مع ارتفاع الحالات التي تستدعي الانتقال للمستشفى بنسبة 40٪ و15٪ في الإنعاش.