وكانت تنتقل بين فترة وأخرى من بيئة أو حضارة إلى بيئة أو حضارة أخرى بواسطة العديد من العوامل والوسائل والأهداف، إلى أن وصلت المحاسبة إلى الوقت الحاضر بصورتها الحالية، وخلال هذه المسيرة الطويلة يتضح تماماً بأن المحاسبة هي نتاج دولي مشترك، أي أن كل حضارة أو دولة ساهمت بجزء ما بشكلٍ أو بآخر في تشكيل المحاسبة. 1- المرحلة الأولى - المحاسبة في العصور القديمة والوسطى (مرحلة مسك الدفاتر) يُرجع البعض تاريخ المحاسبة الأول إلى عهد الآشوريين الذين عاشوا في بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين) منذ حوالي 3500 عام قبل الميلاد، من خلال مسك سجلات محاسبة عينية كأعداد الماشية أو أحجام الحبوب أو المعادن الثمينة. ولقد طور علم الحساب أثناء هذه الحضرة مما سهل عملية القياس والإثبات المحاسبي، فكانت البيانات تثبت على ألواح من الفخار وبشكل مرتب. كما أرجع البعض تاريخ المحاسبة إلى البابليون، وكان للمحاسبة الدور الكبير في جمع الضرائب للملك وتثبيت المعاملات التجارية بين الأفراد وحصر إيرادات الإمبراطورية ومصروفاتها يتطلب نظام محاسبي يتناس وتلك المرحلة في التطور. ثم جاءت بعد ذلك حضارة وادي النيل (الفرعوني) من 3000-1000 سنة ق. فقد احتفظ بالغلال مدة سبع سنين متتالبة. وللتأكيد على اهتمام الفراعنة بالمحاسبة عموماً وبعملية المراجعة والرقابة خصوصاً، فقد كان يتطلب من الكاتب أن يعتم بتسجيل جميع المعاملات والأخداث، وفي نهاية كل موسم من الحصاد يتطلب تقديم تقرير على أن يقرأ بصوت مرتفع في اجتماع عام على عموم الناس وبحضور الحاكم ومستشاريه للموقوف على صحة العمل المحاسب المثبت في الدفاتر والسجلات. في ظل الحضارة الإغريقية والرومانية التي سادت منذ 1000 عام ق. كل ذلك ترافق مع تطور في أنواع وإعداد المستندات والدفاتر والإجراءات المحساسبية، وقد أعلن ذلك على بوابة المصنع. ب - المحاسبة في العهد الإسلامي تميزت الفترة من 600 بعد الميلاد بظهور الحضارة الإسلامية وإمبراطوريتها الواسعة المترامية الأطراف واكتشاف الأرقام العربية (1, فظهرت الحاجة إلى الدواوين (ديوان بيت المال وغيره)، كما أدى استخدام النظام العشري من قبل الهنود والعرب إلى قفزة نوعية كبيرة بفضل ما قدمه هذا النظام من مرونة حسابية كبيرة، وفي عام 1100م عرض العلامة المسلم أحمد بن محمد المازندراني دفتراً استخدمه العرب المسلمون بعرض النفقات في الجانب الأيسر والإيرادات في الجانب الأيمن بما يشبه سجلات القيد المزدوج. ولقد عاشب البلدان العربية والإسلامية في تلك الفترة ازدهاراً اقتصادياً واجتماعياً، واحتوت هذه الحضارة على شعوب وجنسيات مختلفة ساهمت جميعاً في اكتشاف العديد من العلوم وتطويرها، كما قدمت الحضارة الإسلامية نموذجاً يحتذى به في العديد من المجالات منها الإدارة والاقتصاد. شهدت العصور الوسطى فترة ركود بالنسبة لتطور المحاسبة نتيجةً لتفشي الجهل في أوروبا، حيث اقتصر الإثبات المحاسبي على سجلات من رقائق جلود الحيوانات، وفي كل هذه المرحلة كاننت المحاسبة بسيطة ولكنها تفر بالغرض. ولقد أسهمت الحروب الصليبية (1096 - 1291م) في نقل حضارة الشرق العربي الإسلامي إلى الغرب في جانبها المادي وغير المادي، واستخدم الغرب الأرقام العربية لأول مرة في إييطالية في عام 1143م،