إذا ذكرت ألوهية الله عز وجـل للكـون ، والعبودية تعني منتهى الذل الصادر عن منتهى الضعف والعجز . وإذا تأملت ، وعبـوديـة الإنسان الله تلازمـا بينـا ، والعكس أيضاً صحيح ، فلا يكون الإنسـان عبـدأ الله أشبه ما يكون بجهاز استقبال تتجلى عليـه الحركات والصور والأشكال . غير أنه منفعل بالفكر والعقل وليس فاعلا لشيء منه . وغدا سيذبل أو يغيب ، ربما ، هذا الوعي عن دماغه ، دون أن يتخذ لذلك أي قرار ، فضلاً عن أن يعلم كيف تمت هذه النعمة واستقرت في كيانه ، والإنسان إذ يتمدد على فراشه لينام ، منتظرأ نعمـة هـذا الرقـاد أن تتسرب إليه من حيث لا يدري . بقرار عقلاني يتخذه ، بل إن هذه العملية تتم بكل مافيهـا من فائدة ، دون أن يصاب لسانه معها بأي أذى ، فيملك من التوازن ما يقيه من الترنح ، فالسقوط ! . ولكن كيف تتم عملية التوازن هذه ؟ وهل للإنسان فيها من دخل ؟ . وإنه ليرى بعينيه كيف تزدهي القوة في كيانه إذ تبلغ أوجها ، حتى يتقـوس مـنـه الظهر بعـد اعتدال ، ويشتعل في رأسه الشيب ، وتذبل منه الملامح ، ثم يثـاقل به الجسم ويتمدد على فراشه ليتهيأ للرحيل كل هذا ، فالإنسان حقاً جهاز استقبـال ، قد اختفت منها سائر الصور والأشكال أعلم الجهة التي يأتيه منها الإرسال ، فإنه على كل حال يتقلب من واقعـه هـذا في حالة هي منتهى الضعف والعجز . وهذا هو معنى العبودية في أجلى معانيها وصورها فهم يظنون أن تمتعهم بهذه الصفات والطاقات التي ركبت فيهم أفعـال اختيـاريـة صادرة عن كـيـانـاتهم ، أيا كان الأمر ، فإن النتيجة العامية التي لا بد أن نستيقنهـا ، هي الإنسان مطبوع بطابع العبودية من فرقه إلى قـدمـه ومن ظاهره إلى باطنه . يصطبغ بها ولا يتحكم إذ الإنسان ، مظهر لهذه الحقيقة ؛ أو عن الجهاز الذي يقبل منه إليه هذا الإرسال ، أي إن يقظة الإنسان إلى واقع عبوديته لا بد أن تدفعه إلى معرفة الذات التي هو عبد لها . لتعلم من هذا الذي يسوقها إلى حيث لاتعلم . ليضي به إلى حيث يشاء ؟ ولا شك أن المطلوب منه أن يتحرر من نقصه هذا بكل ما يملك من جهد . وهو مجري الحيـاة طبق ما أقامها عليه من الأنظمة والنواميس . إنه الله عز وجل . يملكه إياها ، وهو الذي يستعيدها منه عندما يشاء طبقاً للمنظـام الـذي والمتحرك في قبضته . غير أن الناس ، قد وضع يقينـه هـذا موضع التقدير من حياته ، لـعـوائـق من الأهـواء أو الضعف ، فإنه على كل حال ليس هو المعني بحديثنا في هذا الحوار . إن المعني بحوارنا هذا هو الفريق الثاني ، فـإن هـذا لا يغير من الحقيقة شيئا . كم تتجلى هذه الحقيقة في قول الله عز وجل : لقـد أحصاهم وعدهم عدا . وكلهم آتيه يوم القيامة فردا » [ مريم ٩٢/۱٩-٩٤ ] . غير أن المشكلة التي قد تثور لدى هذا الفريق ، أهي وهم زائف أم حقيقة ثابتة ؟ لكي تتسم إجابتنا عن هذا السؤال بالدقة الكافية ، بطرح التساؤل التالي : ما الذي نعنيه بكلمة ( الحرية ) أهو التخلص من القسر الخارجي الذي يتمثل في عدوان الناس بعضهم على بعض ،