فإنما قصدنا فقط إلى بيان بواعث العمل الأدبى، فالباعث هو الانفعال بمؤثر ما (أي التجربة الشعورية ومناط الحكم هو كمال تصويره لهذه التجربة، ونقلها إلينا نقلاً موحيًا يثير في نفوسنا انفعالاً مستمداً من الانفعال الذي صاحبها في نفس قائلها . أما الأغراض الاجتماعية والسياسية والخلقية وما إليها ، فهي شيء آخر لا يحدد مكانة العمل الأدبي . والعبرة هي بمدى الانفعال الوجداني بها، بحيث تدخل في صميم التجربة الشعورية وتنطوى فيها . فعملية تحطيم الذرة مثلاً حقيقة علمية، يصفها عالم المعمل وصفا علميًا دقيقا ، فتظل العملية كما يظل وصفها بعيداً عن عالم الأدب. أو لأنه يلمح من ورائها وحدة الكون والكائنات، وعبر عن تأثره هذا تعبيراً موحيًا مثيراً للانفعال في نفوس الآخرين، فذلك عمل أدبي بلا جدال . وصراع الطبقات في المجتمع الحديث حقيقة اجتماعية، يحللها الرجل الاجتماعي ويذكر أسبابها ويتتبع أطوارها . ولكن قد يأتي أديب موهوب تنفعل نفسه بهذا الصراع، ينفعل له من يقرؤه، ويعيش بشعوره مع أشخاصه وحوادثه. فهنا يصبح هذا التصوير عملاً أدبيا . فالموضوع إذن بذاته ليس هو مناط الحكم،