موقف التوحيدي من الشكل والمضمون / كما أننا نجد موفقا آخر يقترب فيه من المفهوم الذي كان سائدا في عصره، والألفاظ ليست إلا دلالات عليها وصورا لها . والجوهر أسمى من الصورة، وعلى الأدباء أن يهتموا بإبراز المعنى الشريف - فخير الكلام ما أيده العقل بالحقيقة، وساعده اللفظ بالرقة، وأما بهجته فمن جهة جوهر اللفظ واعتدال القسمة، وأما تمامه فمن جهة النظم الذي يستعير من النفس ويستثير من الروح كلفها " - ويبدو أن دعوة التوحيدي إلى تقديم المعنى على اللفظ كانت رد فعل على اتجاه كتاب عصره إلى الاهتمام بالصنعة البلاغية على حساب المعنى. فإذا كان لا بد من تقديم واحد على الآخر فالأولى أن يقدم المضمون لأن الإبداع الأدبي يقوم على الشكل والمضمون معا، إلا أن كلا منهما يرتبط بجانب من جوانب التركيب الإنساني، فالمضمون أقرب إلى العقل، أما الشكل فهو أدنى إلى الحس، واللفظ يتوافق مع المعنى بحسب قدرته على استقبال نور النفس وفيض العقل. وهذا يختلف في نسبته من إنسان إلى آخر ولا يتوفر بسهولة، بعد من معالي اللفظ، واللفظ صوغ اللسان، ومن بعد من المعالي قل نصيبه من العقل،