على أساس إبراز أهمية دور المجتمع المدني في صيانة الحريات الأساسية للمجتمع، ففي الوقت الذي تنمو وتتبلور فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، فأنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدني، التي تسعى بدورها إلى الفعل والتأثير في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. بالرغم من ان موضوع المجتمع المدني ما زال يثير العديد من القضايا والتساؤلات على صعيد المجتمع ككل، كما يثير العديد من المشاكل على صعيد الدولة، بأجهزتها وقوانينها وسياساتها في مختلف المجالات، تتحدد ملامحها وسماتها من خلال تحديد انماط العلاقة بين الدولة من ناحية والقوى والتنظيمات الاجتماعية من ناحية أخرى. وهكذا نجد تعدداً في الآراء التي تعرضت لمفهوم المجتمع المدني، يكون قابلاً للاستخدام في كل زمان ومكان ليسهم في وضع التصورات النظرية لتبلور عناصر المجتمع المدني ونضجه. وإذا كان ارتباط مفهوم المجتمع المدني بتاريخ نشأته من جهة، ومجال تطوره من جهة أخرى، فإن المجتمعات عموماً على مدى تاريخها الطويل كانت تمتلك خبراتها وموروثها الخاص فيما يتعلق بالمجتمع المدني أو الأهلي، كان العامل المؤثر في تكوين بنية مفهوم المجتمع المدني ومؤسساته، فالمجتمع المدني عند (غرامشي) هو وجود خاص خارج نطاق الدولة، فهو يشكل مع الدولة ما يعرف (بالمنظومة السياسية في المجتمع بأحزابه ونقاباته وتياراته السياسية، وبهذا المعنى تكون العلاقة بين المجتمع المدني والدولة هو كونه مسانداً لها، عندما يشكل مصدر الشرعية لسلطة الدولة عبر مشاركة مؤسساته وتنظيماته وفئاته المختلفة في صنع القرار، أو قد يكون معارضاً لها عندما تستند الدولة وتبدو وكأن المجتمع هو الذي وجد من اجلها لا العكس. أي إن التوصيف الدقيق للمجتمع المدني يمر عبر فصله عن المجتمع السياسي وتميزه منه، فإذا كان المجتمع السياسي يشتمل على كل المؤسسات والأجهزة والمنظمات المركزية والمحلية للدولة، أي بمعنى جميع المؤسسات الحكومية على اختلاف مستوياتها المكرسة لبسط سلطان الدولة، فأن المجتمع المدني هو مختلف الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والحقوقية، التي تنتظم في إطارها شبكة معقدة من التفاعلات والعلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات الاجتماعية في المجتمع التي تحدث بصورة ديناميكية ومستمرة من خلال مجموعة المؤسسات التي تنشأ طواعية وتعمل باستقلال عن الدولة. فقد بان النظر إلى مدلول المجتمع المدني وتحديد إطاره العام ومفهومه يتمحور حول مجتمع متكامل في دولة عصرية أو في دولة هي في طريقها إلى ان تكون عصرية، تكون قادرة على التواصل بكفاءة مع الدول الأخرى، وتكون قادرة في الوقت ذاته على تلبية الاحتياجات العصرية لمواطنيها، لكي تصبح بنى ذلك المجتمع اكثر قدرة على توفير الحماية لذاتها ومصالحها من جهة أولى، وعلى مشاركة فعالة لإفرادها في صنع القرار لجميع مجالات الحياة من جهة ثانية.