اعْلَمْ أَنَّا نَعْنِي بِالْعِلْةِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَنَاطَ الْحُكْمِ، أَيْ مَا أَضَافَ الشَّرْعُ الْحُكْمَ إِلَيْهِ وَنَاطَهُ بِهِ وَنَصَبَهُ عَلَامَةً عَلَى الْحُكْمِ وَالاجْتِهَادُ فِي الْعِلْةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِ الْحُكْمِ، أَوْ فِي تَنْقِيحِ مَنَاطِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، أَوْ فِي تَخْرِيجُ مَنَاطِ الْحُكْمِ وَاسْتِنْبَاطِهِ. أَمَّا الاجْتِهَادُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطِ الْحُكْمِ ، فَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ الأُمَّةِ فِي جَوَازِهِ مِثَالُهُ الاجْتِهَادُ فِي تَعْبِينِ الْإِمَامِ بِالاجْتِهَادِ مَعَ قُدْرَةِ الشَّارِعِ فِي الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَتَقْدِيرِ الْكِفَايَاتِ فِي نَفَقَةِ الْقَرَابَاتِ، وَإِيجَابِ الْمِثْلِ فِي قِيمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَطَلَبِ الْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ. أَمَّا أَنَّ الرِّطْلَ كِفَايَةٌ لِهَذَا الشَّخْصِ أَمْ لَا ، وَالثَّانِي: أَنَّ الرِّطْلَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ. وَكَذَلِكَ تَقُولُ: يَجِبُ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ (السادة: 95) فَتَقُولُ: الْمِثْلُ وَاجِبُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَتْلَفَ فَرَسًا عَلَى إِنْسَانِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، أَمَّا كُونُ مِائَةِ دِرْهَم مِثلًا فِي الْقِيمَةِ فَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالاجْتِهَاد. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ : الاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ، بَلِ الْوَاجِبُ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الشُّهُودِ ظَنِّي، وَأَمَارَاتِ الْعَدَالَةِ، وَالْعَدَالَةَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالظَّنِّ. لِأَنَّ الْمَنَاطَ مَعْلُومٌ بِنَضٌ أَوْ إِجْمَاعِ لَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِنْبَاطِهِ . لَكِنْ تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ بِالْيَقِينِ. فَاسْتُدِلُّ عَلَيْهِ بِأَمَارَاتٍ ظَنِّيَّةٍ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الأُمَّةِ. لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى عَدَالَةِ الأَشْخَاصِ، وَقَدْرَ كِفَايَةِ كُلِّ شَخْص مُحَالٌ، فَمَنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ يُنْكِرُهُ حَيْثُ يُمْكِنُ التَّعْرِيفُ لِلْحُكْمِ بِالنَّصَّ الْمُحِيطِ بِمَجَارِي الْحُكْمِ. مِثَالُهُ : أَنْ يُضِيفَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ إِلَى سَبَبٍ، وَيَنُوطَهُ بِهِ، وَتَقْتَرِنَ بِهِ / أَوْصَافٌ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّأْثِيرِ بِالْإِضَافَةِ فَيَجِبُ حَذْفُهَا عَنْ دَرَجَةِ الْاعْتِبَارِ حَتَّى يَتَّسِعَ الْحُكْمُ. مِثَالُهُ : إِيجَابُ الْعِنْقِ عَلَى الأَعْرَابِي حَيْثُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالْوِقَاعِ مَعَ أَهْلِهِ. بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ أَو بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْمُ الْأَشْخَاصَ، وَلَكِنَّا نُلْحِقُ التَّرْكِيَّ وَالْعَجَمِي بِهِ، وَيُلْحِقُ بِهِ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَنَاطَ هَنْكُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ، لَا حُرْمَةُ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ، لِأَنَّهُ أَشَدُّ فِي هَتْكِ الْحُرْمَةِ. بِحَذْفٍ مَا عُلِمَ بعَادَةِ الشَّرْعِ فِي مَوَارِدِهِ وَمَصَادِرِهِ فِي أ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ. إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنَاطُ الْكَفَّارَةِ كَوْنُهُ مُفْسِدًا لِلصَّوْمِ الْمُحْتَرَمِ، وَالْجِمَاعُ آلَهُ الْإِفْسَادِ، كَمَا أَنَّ مَنَاطَ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ كَوْنُهُ مُزْهِقًا رُوحًا مُحْتَرَمَةً وَالسَّيْفُ آلَهُ. فَيُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى كَفَّارَةٍ وَازِعَةٍ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَهَذَا مُحْتَمَلُ. وَأَثْبَتَ هَذَا النَّمَطَ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَسَمَّاهُ اسْتِدْلَالًا». فَمَنْ جَحَدَ هَذَا الْجِنْسَ مِنْ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ وَأَصْحَابِ الظَّاهِرِ لَمْ يَخْفَ فَسَادُ كَلَامِهِ . وَلَا مَعْنَى لِلْإِطْنَابِ فِي إِفْسَادِهِ مِثَالُهُ : أَنْ يَحْكُمَ بِتَحْرِيم فِي مَحَلَّ ، وَهُوَ الْعِلَّةُ، وَنَقِيسُ عَلَيْهِ النَّبِيدَ ، وَنَقِيسُ عَلَيْهِ الْأَرْزَ وَالرَّبِيبَ. فَنَقُولُ : أَوْجَبَهُ لِكَوْنِهِ قُوتًا، أَوْ لِكَوْنِهِ نَبَاتَ الْأَرْضِ وَفَائِدَتَهَا، 309. وَالْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ أَيْضًا عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ التَّحَكُمُ بِهَا، وَقَدْ تُعْلَمُ بِالسَّبْرِ، حَيْثُ يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّعْلِيلِ وَتَنْحَصِرُ الْأَقْسَامُ / فِي ثَلَاثَةٍ مَثَلًا، فَتَكُونُ الْعِلَّةُ ثَابِتَةً بِنَوْعِ مِنَ الاسْتِدْلَالِ . وَقَدْ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُسْتَنْبَطِ مُؤَكِّرًا بِالْإِجْمَاعِ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا لَا يُفَارِقُهُ إِلَّا فِيمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّأْثِيرِ،