حيث أن محاولة "دوركهايم" للتمييز أو التعرف على الحالات السوية والباثولوجية داخل المجتمع كانت تهدف إلى عزل الحالات التي تهدد النظام العام، و بالتالي فالإنحراف و العنف يصيب البناء الإجتماعي للمجتمع، أما "ميرتون" فيرى أن النقص الكبير في التكامل بين الوسائل والغايات في النمط الثقافي وبناء طبقي معين يعملان معا على زيادة تكرار السلوك المضاد للمجتمع في هذه المجتمعات. لقد جعل "ميرتون" مفهوم الأنوميا أكثر تنظيما و تنسيقا حيث وجه الانتباه إلى أنماط العلاقة بين الأهداف و القيم الإجتماعية و بين الوسائل أو المعايير الثقافية المتاحة لتحقيق هذه الأهداف، وأن التناقض بين الإيدولوجيا المنتشرة وهي المساواة في إتاحة الفرصة بدرجة متساوية أمام الجميع وبين الحالة الواقعة فعليا يساهم في تشكيل السلوك المنحرف. لقد عرض "ميرتون" نظريته هذه في مقال بعنوان "البناء الاجتماعي و اللامعيارية" عام 1938 و يوضح فيه أن بعض الأفراد يتعرضون بسبب إهمالهم من قبل الجماعة، و بالتالي فإن هذه العملية تؤدي إلى اتساع نطاق اللامعيارية. ولفهم البنية الإجتماعية لأي مجتمع يحدد عنصرين أساسين هما المعايير و الأهداف الثقافية: - المعايير: مجموعة القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول إلى الأهداف من خلال قنوات معينة، - الأهداف الثقافية: لكل مجتمع مجموعة من الأهداف والإهتمامات المحددة، وتشكل هذه الأهداف الآمال المشروعة التي يحددها المجتمع لأفراده. فالأهداف والمعايير ليسا مستقرين في اتصالهما أو ترابطهما، فقد يحدث أحيانا في بعض المجتمعات التأكيد على الأهداف على حساب المعايير أو الوسائل ليصبح بذلك بلوغ الهدف بأي وسيلة شائعا داخل المجتمع، وقد يحدث أن تصبح الوسائل ذاتها أهدافا، حيث يكون الامتثال الكامل للقواعد السلوكية هو الأساس في سلوك الفرد،