كانت شمس الظهيرة تسطع بيضاء على حارة السعدي بينما شيخ المسجد يقول للمصلين أن الله هو الذي خلق الرجال والنساء والاطفال والطيور والقطط والأسماك والغيوم، فوجوههم تشبه ترابا لم تهطل فوقه قطرة مطر، غادر الرجال المسجد يرين عليهم خشوع هادئ وكآبة عذبة، واتجه معظمهم الى مقهى حارة السعدي، وهنا تكلموا عما حدث قبل أيام، وأعلن مرفوع الرأس أنه ذبح أخته لأن العار في حارة السعدي لا يمحوه سوى الدم. وهكذا فقد ماتت فطمة الفاكهة التي تحلم بها كل الأشجار، الماء المظلم الذي لا تتألق فيه نجمة، وعندما كانت فطمة صغيرة السن، فتعالت الزغاريد بعد أسابيع وصارت فطمة زوجة لمصطفى الرجل الذي يملك وجها لا يبتسم. ولقد أحب مصطفى فطمة وشعرها، وكان مصطفى يقول لفطمة: "أنا رجل وانت امرأة. والمرأة يجب أن تطيع الرجل. المرأة خلقت لتكون خادمة للرجل". فتكف عن البكاء بعد هنيهات، ويتخيل فطمة تقول له بذُل: "أحبك وأموت لو هجرتني". ولكن فطمة لم تقل له يوما ما يتوق اليه. وفي يوم من الايام دخل مصطفى متجهم الوجه الى مقهى حارة السعدي وقال لأخيها منذر السالم: "قبل أن تقعد كعنتر بين الرجال، اذهب وخذ أختك من بيتي". فأحنى منذر السالم رأسه خجلا من الرجال المحيطين به، ولما أبصرت فطمة أخاها منقضا عليها شاهرا سكينة، وركضت في أزقة حارة السعدي حاسرة الرأس، غير أن السكين لحقت بها وبلغت عنقها بينما كان الرجال والنساء والاطفال يقفون متجمدين شاحبي الوجوه. ولكن فطمة ما تزال تركض في حارة السعدي وتطرق أبواب بيوتها مستنجدة فلا يفتح باب من الابواب،